random
مقالات عشوائية :

اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك (الجزء 21)

الصفحة الرئيسية
Résultat de recherche d'images pour "بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"

  نواصل معكم اخواني واخواتي القراء الاعزاء نشر كتاب


للدكتور محمد العريفي حفظه الله
 والذي تحدث فيه عن
 مهارات وفنون التعامل مع الناس 
 في ظل السيرة النبوية 
 وقضايا اجتماعية هامة
الجزء21 :
74-كف الأذى ..
كان الناس يبغضونه ..
ما يكاد أحد يسلم من أذاه ..
إن سلمت من يده فلن تسلم من لسانه .. وإن فاته أن يجلدك بسوط لسانه في حضرتك فلن يفوته أن يجلدك في غيبتك ..
فعلاً .. كان رجلاً مكروهاً .. أثقل على الناس من صم الجبال الراسيات ..
وإذا تأملت في أحوال الناس فسوف تصل إلى يقين بأنه لا يؤذي غالباً إلا من كان عنده نعمة تفوق من يقابله ..
فالقوي يتجرأ على إيذاء الضعيف .. يدفعه بيده .. أو يركله برجله .. يضرب ويحقّر .. فيصير أسداً عليه لكنه في الحروب نعامة !!
والغني يتعدى على الفقير .. فيهينه في المجالس .. يقاطعه في كلامه ..
أما صاحب المنصب والجاه .. فله حظ كبير من ذلك ..
وقل مثل ذلك فيمن جعل الله نسبه رفيعاً ..
وهؤلاء في الحقيقة .. إضافة إلى بغض الناس لهم .. وتمنيهم زوال عزهم .. وفرحهم بمصائبهم ..
هم أيضاً مفلسون ..
وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد جلس مع أصحابه يوماً فقال لهم :
أتدرون ما المفلس؟
قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ..
فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة .. وصيام .. وزكاة .. ويأتي قد شتم هذا .. وقذف هذا .. وأكل مال هذا .. وسفك دم هذا .. وضرب هذا ..
فيعطى هذا من حسناته .. وهذا من حسناته .. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه .. أخذ من خطاياهم فطرحت عليه .. ثم طرح في النار  ..
لذا كان يتجنب صلى الله عليه وسلم أذى الناس بشتى أشكاله ..
قالت عائشة رضي الله عنه : ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده .. ولا امرأة .. ولا خادماً .. إلا أن يجاهد في سبيل الله .. وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه .. إلا أن ينتهك شيء من محارم الله .. فينتقم لله عز وجل ..
وعموماً .. من استعمل هذه النعم لأذى الناس أبغضوه .. وقد يبتليه الله في دنياه قبل أخراه .. فيشفي صدورهم ..
أذكر أن أحد الأصدقاء من طلبة العلم وحفظة القرآن .. كان رجلاً صالحاً .. يأتيه بعض الناس أحياناً يقرأ عليهم شيئاً من القرآن كرقية شرعية .. وقد شفى الله تعالى على يده من شاء ..
دخل عليه يوماً من الأيام رجل تبدو عليه علامات الثراء .. جلس بين يدي الشيخ وقال : يا شيخ .. أنا عندي آلام في يدي اليسرى تكاد تقتلني .. لا أنام في ليل .. ولا أرتاح في نهار ..
ذهبت إلى عدد كبير من الأطباء .. أجروا لي الفحوصات .. عملوا تمارين .. ما فيه فائدة أبداً ..
الألم يزيد ويشتد حتى انقلبت حياتي عذاباً ..
يا شيخ .. أنا تاجر وعندي عدد من المؤسسات والشركات .. فأخشى أن أكون أصبت بعين حاسدة .. أو وضع لي أحد الأشرار سحراً ..
قال الشيخ : قرأت عليه سورة الفاتحة .. وآية الكرسي .. وسورة الإخلاص والمعوذتين ..
لم يظهر عليه تأثر .. خرج من عندي شاكراً ..
رجع إليَّ بعد أيام يشكو الألم نفسه .. قرأت عليه .. ذهب ورجع .. وقرأت عليه .. لم يظهر عليه أي تحسن ..
قلت له لما اشتد عليه الألم : قد يكون ما أصابك هو عقوبة على شيء فعلته .. من ظلم أحد الضعفاء .. أو أكل حقوقهم .. أو ظلمت أحداً في ماله فمنعته حقه .. أو غير ذلك .. فإن كان هناك شيء من ذلك فسارع إلى التوبة مما جنيت .. وأعد الحقوق إلى أهلها .. واستغفر الله مما مضى ..
التاجر لم يرق له كلامي .. وقال - بكبر - : أبداً .. ما ظلمت أحداً .. ولم أعتدِ على شيء من حقوق الناس .. وأشكرك على نصيحتك .. وخرج ..
مرت أيام وغاب الرجل عني .. خشيت أن يكون وجد علي في نفسه .. ولكن لا عليَّ فهي نصيحة أسديتها إليه .. تفاجأت به يوماً في مكان ما .. لقيني فأقبل إليَّ مسلماً مسروراً ..
سألته : هاه .. ما الأخبار؟
قال : الحمد لله .. الآن يدي بخير .. بغير طب ولا علاج!!
قلت : كيف؟
قال : لما خرجت من عندك .. جعلت أفكر في نصيحتك .. وأستعيد شريط ذكرياتي في ذهني .. وأفكر!! ترى هل ظلمت أحداً؟! هل أكلت حق أحد؟! فتذكرت أني قبل سنوات لما كنت أبني قصري .. كان بجانبه أرض رغبت في ضمها إليه ليكون أجمل .. كانت الأرض ملكاً لامرأة أرملة توفي زوجها وخلّف أيتاماً ..
أردتها أن تبيع الأرض فأبت .. وقالت : وماذا أفعل بقيمة الأرض .. بل تبقى لهؤلاء الأيتام حتى يكبروا .. أخشى أن أبيعها ويتشتت المال ..
أرسلت إليها مراراً لشرائها .. وهي تأبى علي ذلك ..
قلت : فماذا فعلت؟
قال : انتزعت الأرض منها بطرقي الخاصة ..
قلت : طرقك الخاصة!!
قال : نعم .. علاقاتي الواسعة .. ومعارفي .. استخرجت ترخيصاً ببناء الأرض وضممتها إلى أرضي ..
قلت : وأم الأيتام؟!!
قال : سمعت بما حصل لأرضها فكانت تأتي وتصرخ بالعمال الذين يعملون لتمنعهم من البناء .. وهم يضحكون منها يظنونها مجنونة .. وفي الواقع أنني أنا المجنون ليس هي ..
كانت تبكي وترفع يديها إلى السماء .. هذا ما رأيته بعيني .. ولعل دعاءها في ظلمة الليل كان أعظم ..
قلت : هاه .. أكمل ..
قال : رحت أسأل وأبحث عنها .. حتى عثرت عليها .. فبكيت واعتذرت .. ولا زلت بها حتى قبلت مني تعويضاً عن تلك الأرض .. ودعت لي وسامحتني ..
فوالله ما إن خفضت يديها .. حتى دبت العافية في بدني ..
ثم أطرق التاجر برأسه قليلاً .. ثم رفعه وقال : ونفعني دعاؤها – بإذن الله – نفعاً عجز عنه طب الأطباء ..

قالوا ..
نامت عيونك والمظلوم منتبه*.*يدعو عليك وعين الله لم تنم


75-لا للعداوات ..
تجد أن الناس عند التعامل معهم لهم طبائع ..
منهم الغضوب ومنهم البارد .. ومنهم الذكي ومنهم الغبي .. والمتعلم والجاهل ..
ومنهم حسن الظن وسيء الظن .. و :
من عامل الناس لاقى منهم نصباً ..
                       فإن سَوْسَهم بـغيٌ وطغيان
فالظالم يغفل عن ظلمه ويرى أنه أعدل الناس ..
والغبي يرى أنه أذكى الناس ..
والأخرق السفيه .. يرى أنه حكيم زمانه ..
أذكر لما كنت شاباً – وأظنني لا أزال كذلك – أعني لما كنت في أوائل الدراسة الثانوية .. أقبل علينا ضيف ثقيل .. لا أدري هل أكمل دراسته الابتدائية أم لا؟ لكن الذي أجزم به أنه يقرأ ويكتب ..
وكنت مشغولاً وقت دخوله بمسألة شرعية لم أجد لها جواباً ..
وضعت له ما يوضع للضيف من قِرى .. ثم تناولت الهاتف وجعلت أكرر الاتصال بالشيخ ابن باز رحمه الله لسؤاله عنها ..
لم أجد الشيخ ..
رآني صاحبي منشغلاً إلى هذا الحد .. فسألني : بمن تتصل ..
قلت : بالشيخ ابن باز .. عندي استفتاء مهم ..
فبادرني قائلاً بكل ثقة : سبحان الله .. ابن باز .. وأنا موجود؟!! (لولا الحياء لجعلت بقية الكتاب علامات تعجب!!)
تجد من الناس كثيرين كذلك .. فتحمل ثقلهم .. وعاملهم بلطف .. واكسبهم ..
حاول بقدر استطاعتك أن لا تكسب عداوات ..
فلم تبعث عليهم وكيلاً .. أنقذ ما يمكن إنقاذه .. ولا تعذب نفسك ..
خاطرة ..
الحياة اقصر من أن تشغلها باكتساب عداوات


76-اللسان .. ملك !!
تأملت فيما يحدث التباغض والشقاق بين الناس .. ويجعل بعضهم أثقل من الجبل على الآخرين .. فلا يحبون رؤيته ولا مجالسته .. ولا السفر معه .. ولا حضور وليمة هو مدعو إليها ..
وجدت أن أكثر ما يوصل الشخص إلى هذا المستوى البغيض هو اللسان ..
فكم من خصومات وقعت بين إخوان .. وأزواج .. و .. بسبب مسبة أو غيبة أو شتم ..!!
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده .. فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
ذُكر أن ملكاً معظماً رأى في منامه أن أسنانه تساقطت ..
فاستدعى أحد المعبرين .. وقص عليه الرؤيا وسأله عن تعبيرها؟!
فتغير المعبر لما سمعها .. وجعل يردد : أعوذ بالله .. أعوذ بالله .. تمضي عليك السنين .. ويموت أولادك وأهلك جميعاً .. وتبقى في ملكك وحدك ..
فصاح الملك .. وغضب .. وسب ولعن .. وأمر بالمعبر أن يسحب ويجلد ..
ثم دعا بمعبر آخر .. وقص عليه الرؤيا .. وسأله عن تعبيرها ..
فاستهل ذاك المعبر .. وتبسم .. وأظهر البشاشة .. وقال : أبشر .. خير .. خير .. أيها الملك ..
هذا معناه أنك سيطول عمرك جداً .. حتى تكون آخر أهلك موتاً .. وتبقى طول عمرك ملكاً ..
فاستبشر الملك وأمر له بالأعطيات .. وبقي راضياً عليه .. ساخطاً على الآخر!!
مع أنك لو تأملت لوجدت أن التعبيرين متماثلان متطابقان .. لكن الأول عبر بأسلوب والآخر عبر بأسلوب آخر .. نأ

نعم .. اللسان سيد الأعضاء ..
وفي الحديث .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان .. فتقول :
اتق الله فينا .. فإنما نحن بك .. فإن استقمت استقمنا .. وإن اعوججت اعوججنا" ..
نعم .. والله إنه لسيد  ..
سيد في خطبة الجمعة .. وسيد في الإصلاح بين الناس .. وسيد في التسويق .. وسيد في المحاماة ..
ولا يعني هذا أنه إذا فقده الإنسان .. انتهت حياته .. كلا بل صاحب الهمة يبقى بطلاً ..
لم يكن أبو عبد الله يختلف كثيراً عن بقية أصدقائي .. لكنه – والله يشهد – من أحرصهم على الخير ..
له عدة نشاطات دعوية من أبرزها ما يقوم به أثناء عمله .. فهو يعمل مترجما في معهد الصم البكم.
اتصل بي يوما وقال : ما رأيك أن أحضر إلى مسجدك اثنين من منسوبي معهد الصم لإلقاء كلمة على المصلين ..
تعجبت !! وقلت : صم يلقون كلمة على ناطقين؟
قال : نعم .. وليكن مجيئنا يوم الأحد ..
انتظرت يوم الأحد بفارغ الصبر ..
وجاء الموعد ..
وقفت عند باب المسجد أنتظر ..
فإذا بأبي عبد الله يقبل بسيارته ..
وقف قريباً من الباب .. نزل ومعه رجلان ..
أحدهما كان يمشي بجانبه ..
والثاني قد أمسكه أبو عبد الله يقوده بيده ..
نظرت إلى الأول فإذا هو أصم أبكم .. لا يسمع ولا يتكلم .. لكنه يرى ..
والثاني أصم .. أبكم .. أعمى .. لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى ..
مددت يدي وصافحت أبا عبد الله ..
كان الذي عن يمينه – وعلمت بعدها أن اسمه أحمد - ينظر إليّ مبتسماً .. فمددت يدي إليه مصافحاً ..
فقال لي أبو عبد الله - وأشار إلى الأعمى - :
سلم أيضاً على فايز .. قلت : السلام عليكم .. فايز ..
فقال أبو عبد الله : أمسك يده .. هو لا يسمعك ولا يراك ..
جعلت يدي في يده .. فشدني وهز يدي ..
دخل الجميع المسجد .. وبعد الصلاة جلس أبو عبد الله على الكرسي وعن يمينه أحمد .. وعن يساره فايز ..
كان الناس ينظرون مندهشين .. لم يتعودوا أن يجلس على كرسي المحاضرات أصم ..
التفت أبو عبد الله إلى أحمد وأشار إليه ..
فبدأ أحمد يشير بيديه .. والناس ينظرون .. لم يفهموا شيئاً ..
فأشرت إلى أبي عبد الله .. فاقترب إلى مكبر الصوت وقال :
أحمد يحكي لكم قصة هدايته .. ويقول لكم .. ولدت أصم .. ونشأت في جدة .. وكان أهلي يهملونني .. لا يلتفتون إليّ .. كنت أرى الناس يذهبون إلى المسجد .. ولا أدري لماذا! أرى أبي أحياناً يفرش سجادته ويركع ويسجد .. ولا أدري ماذا يفعل ..
وإذا سألت أهلي عن شيء .. احتقروني ولم يجيبوني ..
ثم سكت أبو عبد الله والتفت إلى أحمد وأشار له ..
فواصل أحمد حديثه .. وأخذ يشير بيديه .. ثم تغير وجهه .. وكأنه تأثر ..
خفض أبو عبد الله رأسه ..
ثم بكى أحمد .. وأجهش بالبكاء ..
تأثر كثير من الناس .. لا يدرون لماذا يبكي ..
واصل حديثه وإشاراته بتأثر .. ثم توقف ..
فقال أبو عبد الله : أحمد يحكي لكم الآن فترة التحول في حياته .. وكيف أنه عرف الله والصلاة بسبب شخص في الشارع عطف عليه وعلمه .. وكيف أنه لما بدأ يصلي شعر بقدر قربه من الله .. وتخيل الأجر العظيم لبلائه .. وكيف أنه ذاق حلاوة الإيمان ..
ومضى أبو عبد الله يحكي لنا بقية قصة أحمد ..
كان أكثر الناس مشدوداً متأثراً ..
لكني كنت منشغلاً .. أنظر إلى أحمد تارة .. وإلى فايز تارة أخرى .. وأقول في نفسي .. هاهو أحمد يرى ويعرف لغة الإشارة .. وأبو عبد الله يتفاهم معه بالإشارة .. ترى كيف سيتفاهم مع فايز .. وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ..!!
انتهى أحمد من كلمته .. ومضى يمسح بقايا دموعه ..
التفت أبو عبد الله إلى فايز ..
قلت في نفسي : هه؟؟ ماذا سيفعل؟!!
ضرب أبو عبد الله بأصابعه على ركبة فايز ..
فانطلق فايز كالسهم .. وألقى كلمة مؤثرة ..
تدري كيف ألقاها؟
بالكلام؟ كلا .. فهو أبكم .. لا يتكلم ..
بالإشارة؟ كلا .. فهو أعمى .. لم يتعلم لغة الإشارة ..
ألقى الكلمة باللمس .. نعم باللمس .. يجعل أبو عبد الله – المترجم- يده بين يدي فايز .. فيلمسه فايز لمسات معينة .. يفهم منها المترجم مراده .. ثم يمضي يحكي لنا ما فهمه من فايز .. وقد يستغرق ذلك ربع ساعة ..
وفايز ساكن هادئ لا يدري هل انتهى المترجم أم لا .. لأنه لا يسمع ولا يرى ..
فإذا انتهى المترجم من كلامه .. ضرب ركبة فايز .. فيمد فايز يديه ..
فيضع المترجم يده بين يديه .. ثم يلمسه فايز للمسات أخر ..
ظل الناس يتنقلون بأعينهم بين فايز والمترجم .. بين عجب تارة .. وإعجاب أخرى ..
وجعل فايز يحث الناس على التوبة .. كان أحياناً يمسك أذنيه .. وأحياناً لسانه .. وأحياناً يضع كفيه على عينيه ..
فإذا هو يأمر الناس بحفظ الأسماع والأبصار عن الحرام ..
كنت أنظر إلى الناس .. فأرى بعضهم يتمتم : سبحان الله .. وبعضهم يهمس إلى الذي بجانبه .. وبعضهم يتابع بشغف .. وبعضهم يبكي ..
أما أنا فقد ذهبت بعيييييداً ..
أخذت أقارن بين قدراته وقدراتهم .. ثم أقارن بين خدمته للدين وخدمتهم ..
الهم الذي يحمله رجل أعمى أصم أبكم .. لعله يعدل الهم الذي يحمله هؤلاء جميعاً ..
والناس ألف منهم كواحد *.* وواحد كالألف إن أمر عنا
رجل محدود القدرات .. لكنه يحترق في سبيل خدمة هذا الدين .. يشعر أنه جندي من جنود الإسلام .. مسئول عن كل عاص ومقصر ..
كان يحرك يديه بحرقة .. وكأنه يقول يا تارك الصلاة إلى متى ..؟ يا مطلق البصر في الحرام إلى متى ..؟ يا واقعاً في الفواحش؟ يا آكلاً للحرام؟ بل يا واقعاً في الشرك؟
كلكم إلى متى .. أما يكفي حرب الأعداء لديننا .. فتحاربونه أنتم أيضاً!!
كان المسكين يتلون وجهه ويعتصر ليستطيع إخراج ما في صدره ..
تأثر الناس كثيراً .. لم ألتفت إليهم .. لكني سمعت بكاء وتسبيحات ..
انتهى فايز من كلمته .. وقام .. يمسك ابو عبد الله بيده .. تزاحم الناس عليه يسلمون ..
كنت أراه يسلم على الناس .. وأحس أنه يشعر أن الناس عنده سواسيه ..
يسلم على الجميع .. لا يفرق بين ملك ومملوك .. ورئيس ومرؤوس ..وأمير ومأمور ..
يسلم عليه الأغنياء والفقراء .. والشرفاء والوضعاء .. والجميع عنده سواء ..
كنت أقول في نفسي ليت بعض النفعيين مثلك يا فايز ..
أخذ أبو عبد الله بيد فايز .. ومضى به خارجاً من المسجد ..
أخذت أمشي بجانبهما .. وهما متوجهان للسيارة ..
والمترجم وفايز يتمازحان في سعادة غامرة ..
آآآه ما أحقر الدنيا ..
كم من أحد لم يصب بربع مصابك يا فايز ولم يستطع أن ينتصر على الضيق والحزن ..
أين أصحاب الأمراض المزمنة .. فشل كلوي .. شلل .. جلطات .. سكري .. إعاقات ..
لماذا لا يستمتعون بحياتهم..ويتكيفون مع واقعهم ..
ما أجمل أن يبتلي الله عبده ثم ينظر إلى قلبه فيراه شاكراً راضياً محتسباً ..
مرت الأيام .. ولا تزال صورة فايز مرسومة أمام ناظري ..
حقيقة ..
الإنسان لا لحمه يؤكل .. ولا جلده يلبس .. فماذا فيه غير حلاوة اللسان!!


77-اضبط لسانك ..
إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ..
هكذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم الناس من إطلاق الكلام على عواهنه .. دون النظر في العواقب ..
عدم ضبط اللسان قد يؤدي إلى المهالك ..
احفظ لسانك أيها الإنسان
                        لا يلدغنك إنـه ثـعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه  
                       كانت تهاب لقاءه الشجعان
كم من امرأة طلقها زوجها بسبب اللسان .. يختلف معها .. فتردد قائلة له : طلقني .. أتحداك تطلقني .. إن كنت رجلاً طلقني .. فيأمرها بالسكوت .. يصرخ بها .. ينهرها .. يشتد الأمر بينهما .. فينهدم البناء .. ويطلقها ..
لذا أمر صلى الله عليه وسلم الشخص إذا غضب أن يسكت .. نعم يسكت ..
لأنه إن لم يضبط لسانه .. أرداه في المهالك ..
يموت الفتى من زلة بلسانه  
                       وليس يموت المرء من زلة الرجل
أذكر أني دخلت قبل فترة في مشكلة بين عائلتين للإصلاح بينهما ..
وقصة الخلاف : أن رجلاً عاقلاً كبيراً في السن أظنه قد تجاوز الستين من عمره .. خرج في نزهة صيد مع مجموعة من أصدقائه .. وسنهم جميعاً متقارب ..
دارت بينهم الأحاديث وذكريات الصبا .. ثم تكلموا عن أراض لأجدادهم بالقرية .. فثار خلاف بين اثنين منهم حول أحد الأراضي يملكها أحدهما وادعى الآخر أنها لجده ..
اشتد بينهما النقاش حتى قال مالك الأرض لصاحبه : والله لإن رأيتك قريباً من أرضي لأفرغن هذا في رأسك ..
ثم تناول بندقية الصيد التي بجانبه ووجهها أعلى من رأس صاحبه بمترين أو ثلاثة ثم أطلق منها رصاصة ..
ثار الرجلان وكادا أن يقتتلا .. لكن أصحابهما هدؤوهما وتفرقوا إلى بيوتهم ..
لم يستطع الرجل الذي أطلق عليه الرصاص أن ينام من شدة الغيظ .. فما كاد أن يصبح حتى كان قد أجمع أن يشفي غيظه من صاحبه .. فحمل سلاحاً من نوع كلاشينكوف ومضى يبحث عن صاحبه .. حتى رآه في سيارته عند مدرسة بنات ..
كان صاحبه متقاعداً من وظيفته ويعمل سائقا لسيارة خاصة لنقل المدرسات .. وقد أوقف سيارته عند باب المدرسة وجلس داخلها ينتظر خروجهن .. وبجانبه مجموعة من السيارات تشبه سيارته كلها مخصصة لنقل المدرسات أو الطالبات ..
اختبأ الرجل خلف شجرة بعيدة لئلا ينتبه إليه .. وكان ضعيف البصر .. ووجه سلاحه إلى السائق .. وحاول جاهداً أن يسدد الطلقة إلى رأسه .. ثم ضغط على الزناد .. ودوى صوت الرصاص وانطلقت ثلاث رصاصات واستقرت في رأس السائق .. ثار الناس واضطربوا .. وفزعت الطالبات .. وارتفع الصراخ ..
واجتمع الشرطة .. وأحاطوا بالمنطقة .. والرجل قد هشمت الطلقات جمجمته .. ومات ..
أما القاتل فقد توجه بكل هدووووء إلى مخفر الشرطة وأخبرهم بالقصة .. وقال : أنا قتلت فلاناً .. والآن قد شفيت صدري فاقتلوني أو أحرقوني أو اسجنوني .. افعلوا ماشئتم ..
أدخلوه إلى غرفة التوقيف .. وخرج الضابط لمعاينة مكان الحادث .. فلما اطلع على بطاقة المقتول فإذا المفاجأة الكبرى!! إذا بالقتيل ليس هو صاحبه الذي أراد أن يشفي صدره منه وإنما هو شخص آخر ليس له دخل بالقضية ..
فأقبل الضابط يمشي بسرعة، والرجل المسن المقصود بالقتل يمشي بجانبه .. حتى أدخله مخفر الشرطة وأوقفه أمام الزنزانة .. وقال : يا فلان! أتدعي أنك قتلت هذا؟! الرصاص أصاب شخصاً آخر!!
فصرخ المسكين وأصابه حالة هستيرية .. ثم أغمي عليه ومكث في غيبوبة أياماً .. ثم شفي وأدخل السجن وحكم عليه القاضي الشرعي بإقامة حد القتل عليه ..
وصدق أبو بكر لما قال : ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ..
لا أنس خبر ذلك الخليفة الذي جلس يوماً مع نديمه .. يضاحكه ويمازحه .. فلعب الشيطان برؤوسهما فشربا خمراً .. فلما غابت العقول .. وسيطرت أم الخبائث .. وصار الواحد منهما أضل من الحمار ..
التفت الخليفة إلى حاجبه وأشار له إلى النديم وقال : اقتلوه ..
وكان الخليفة إذا أمر أمراً لم يراجَع فيه ..
فانطلق الحاجب إلى النديم وتله برجليه .. وهو يصرخ .. ويستغيث بالخليفة .. والخليفة يضحك ويردد : اقتلوه .. اقتلوه ..
فقتلوه .. وألقوه في بئر مهجورة ..
فلما أصبح الخليفة .. اشتاق إلى من يؤانسه .. فقال : ادعوا لي نديمي فلان ..
قالوا : قتلناه!! قال : قتلتموه؟!! من قتله؟! ولماذا؟ ومن أمركم؟! وجعل يدافع عبراته ..
فقالوا : أنت أمرتنا البارحة .. وأخبروه بالقصة ..
فسكت .. وخفض رأسه متندماً ثم قال : رب كلمة قالت لصاحبها دعني ..
أعود وأقول : كم من شخص نفر الناس عن شخصه .. وبغضهم في نفسه .. وجر إلى نفسه الويلات بسبب عدم ضبطه للسانه ..
قال ابن الجوزي :
ومن العجب أن من الناس من يقوى على التحرز من أكل الحرام .. ومن الزنا .. والسرقة .. لكنه لا يقوى على أن يتحرز من حركة لسانه .. فيتكلم في أعراض الناس .. ولا يقدر على منع نفسه من ذلك ..

عجيبة ..
الحيوان لسانه طويل ولا ينطق .. والإنسان لسانه قصير ولا يصمت !!

روابط الاجزاء السابقة :  1  2  3  4  5  6  7  8  9  10  11   12  13  14  15  16  17  18  19  20         








google-playkhamsatmostaqltradent