نواصل معكم نشر كتاب
""استمتع بحياتك""
والذي تحدث فيه عن
مهارات وفنون التعامل مع الناس في ظل السيرة النبوية
وقضايا اجتماعية هامة.
الجزء الثامن :
31- لا تنتقد !!
ركب سيارة صاحبه .. فكانت أول كلمة قالها : ياااه!! ما أقدم سيارتك!!
ولما دخل بيته .. رأى الاثاث فقال : أووووه .. ما غيرت أثاثك؟!
ولما رأى أولاده .. قال : ما شاء الله .. حلوين .. لكن لماذا ما تلبسهم ملابس أحسن من هذه!!
ولما قدّمت له زوجته طعامه .. وقد وقفت المسكينة في المطبخ ساعات .. رأى أنواعه فقال : يا الله .. لماذا ما طبختي رزّ؟ أوووه .. الملح قليل! لم أكن أشتهي هذا النوع!!
دخل محلاً لبيع الفاكهة .. فإذا المحل مليء بأصناف الفواكه ..
فقال : عندك مانجو؟
قال صاحب المحل : لا .. هذه في الصيف فقط ..
فقال : عندك بطيخ؟ قال : لا ..
فتغير وجهه وقال : ما عندك شيء .. ليش فاتح المحل! وخرج ..
ونسي أن في المحل أكثر من أربعين نوعاً من الفواكه ..
نعم ..
بعض الناس يزعجك بكثرة انتقاده .. ولا يكاد أن يعجبه شيء ..
فلا يرى في الطعام اللذيذ إلا الشعرة التي سقطت فيه سهواً ..
ولا في الثوب النظيف إلا نقطة الحبر التي سالت عليه خطئاً ..
ولا في الكتاب المفيد إلا خطئاً مطبعياً وقع سهواً ..
فلا يكاد يسلم أحد من انتقاده .. دائم الملاحظات .. يدقق على الكبيرة والصغيرة ..
أعرف أحد الناس .. زاملته طويلاً في أيام الثانوية والجامعة .. ولا تزال علاقتنا مستمرة .. إلا أني لا ذكر أنه أثنى على شيء ..
أسأله عن كتاب ألفته وقد أثنى عليه أناس كثيراً وطبع منه مئات الآلاف فيقول ببرود : والله جيد .. ولكن فيه قصة غير مناسبة .. وحجم الخط ما أعجبني .. ونوعية الطباعة أيضاً سيئة .. و ..
وأسأله يوماً عن أداء فلان في خطبته .. فلا يكاد يذكر جانباً مشرقاً ..
حتى صار أثقل علي من الجبل .. وصرت لا أسأله أبداً عن رأيه في شيء لأني أعرفه سلفاً ..
قل مثل ذلك فيمن يفترض المثالية في جميع الناس ..
فيريد من زوجته أن يكون بيتها نظيفاً 24 ساعة 100% ..
ويريدها أيضاً أن يبقى أطفالها نظيفين متزينين على مدى اليوم ..
وإن زاره ضيوف افترض أن تطبخ أحسن الطعام ..
وإن جالسها افترض أن تحدثه بأجمل الأحاديث ..
وكذلك هو مع أولاده .. يريدهم 100% في كل شيء ..
ومع زملائه .. ومع كل من يخالطه في الشارع والسوق .. و ..
وإن قصّر أحد من هؤلاء أكله بلسانه وأكثر عليه الانتقاد وكرر الملاحظات .. حتى يمل الناس منه .. لأنه لا يرى في الصفحة البيضاء إلا الأسودَ ..
من كان هذا حاله عذب نفسه في الحقيقة .. وكرهه أقرب الناس إليه واستثقلوا مجالسته ..
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذا
ظمئت, وأي الناس تصفو مشاربه؟!
إذا كـنت فـي كل الأمور معاتباً
رفـيقك لن تلـق الـذي ستعاتبه
قالت أمنا عائشة رضي الله عنها وهي تصف حال تعامله صلى الله عليه وسلم معهم :
'ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط .. إن اشتهاه أكله وإلا تركه .. ' .. نعم ما كان يصنع مشكلة من كل شيء ..
وقال أنس رضي الله عنه : 'والله لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين .. ما علمته قال لشيء صنعته : لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب عليّ شيئاً قط .. ووالله ما قال لي أفَّ قط '..
هكذا كان .. وهكذا ينبغي أن نكون ..
وأنا بذلك لا أدعو إلى ترك النصيحة أو السكوت عن الأخطاء .. ولكن لا تكن مدققاً في كل شيء .. خاصة في الأمور الدنيوية .. تعود أن تمشّي الأمور ..
لو طرق بابك ضيف فرحبت به وأدخلته غرفة الضيوف فلما أحضرت الشاي تناول الفنجان .. فلما نظر إلى الشاي بداخله قال : لمَ لم تملأ الفنجان؟ فقلت : أزيدك؟ قال : لا .. لا .. يكفي ..
فطلب ماء فأحضرت له كأس ماء فشكرك وشربه .. فلما انتهى قال : ماؤكم حار ..
ثم التفت إلى المكيف وقال : مكيفكم لا يبرّد !! وجعل يشتكي الحر .. ثم ..
ألا تشعر بثقل هذا الإنسان .. وتتمنى لو يخرج من بيتك ولا يعود ..
إذن الناس يكرهون الانتقاد ..
لكن إن احتجت إليه فغلفه بغلاف جميل ثم قدمه للآخرين ..
قدمه في صورة اقتراح .. أو بأسلوب غير مباشر .. أو بألفاظ عامة ..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لاحظ خطئاً على أحد لم يواجهه به وإنما يقول : "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .."
يعني : إياكِ أعني واسمعي يا جارة ..
في يوم من الدهر أقبل ثلاثة شباب متحمسين .. إلى المدينة النبوية ..
كانوا يريدون معرفة كيفية عبادة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته ..
سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ..
فأخبرتهم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصوم أحياناً ويفطر أحياناً .. وينام بعضاً من الليل ويصلي بعضه ..
فقال بعضهم لبعض : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه ..
ثم اتخذ كل واحد منهم قراراً ..!
فقال أحدهم : أنا لن أتزوج .. أي سأبقى عزباً .. متفرغاً للعبادة ..
وقال الآخر : وأنا سأصوم دائماً .. كل يوم ..
وقال الثالث : وأنا لا أنام الليل .. أي سأقوم الليل كله ..
فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوه ..
فقام على منبره .. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
"ما بال أقوام !! -هكذا مبهماً، لم يقل ما بال فلان وفلان- ما بال أقوام قالوا : كذا وكذا .. لكني أصلي وأنام .. وأصوم وأفطر .. وأتزوج النساء .. فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وفي يوم آخر .. لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجالاً من المصلين معه .. يرفعون أبصارهم إلى السماء في أثناء صلاتهم ..
وهذا خطأ فالأصل أن ينظر أحدهم إلى موضع سجوده ..
فقال صلى الله عليه وسلم : "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ..
فلم ينتهوا عن ذلك واستمروا يفعلونه .. فلم يفضحهم أو يسمهم بأسمائهم .. وإنما قال :
وكانت بريرة جارية أمةً مملوكة في المدينة .. أرادت أن تعتق من الرق .. فطلبت ذلك من سيدها .. فاشترط عليها مالاً تدفعه إليه ..
فجاءت بريرة .. إلى عائشة تلتمس منها أن تعينها بمال ..
فقالت عائشة : 'إن شئت أعطيت أهلك ثمنك .. فتعتقين .. لكن يكون الولاء لي ..'
فأخبرت الجارية أهلها فأبوا ذلك .. وأرادوا أن يربحوا الأمرين .. ثمن عتقها .. وولاءها!!
فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم .. فعجب صلى الله عليه وسلم من حرصهم على المال .. ومنعهم للمسكينة من الحرية !!
فقال لعائشة : "ابتاعيها .. فأعتقيها .. فإنما الولاء لمن أعتق .."
أي الولاء لك ما دام أنك دفعت المال .. ولا تلتفتي إلى شروطهم فهي ظالمة ..
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال :
"ما بال أقوام ( ولم يقل آل فلان ) .. يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله .. من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله .. فليس له .. وإن اشترط مائة شرط "..
"ما بال أقوام ( ولم يقل آل فلان ) .. يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله .. من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله .. فليس له .. وإن اشترط مائة شرط "..
نعم هكذا .. لوّح بالعصا من بعيد ولا تضرب بها ..
فما أجمل أن تقول لزوجتك المهملة في نظافة بيتها : البارحة تعشينا عند صاحبي فلان .. وكان الجميع يثني على نظافة منزله ..
أو تقول لولدك المهمل للصلاة في المسجد .. : أنا أعجب من فلان ابن جيراننا ما نكاد نفقده في المسجد أبداً ..!!
يعني .. إياك أعني واسمعي يا جارة !!
ويحق لك أن تسأل : لماذا يكره الناس الانتقاد؟
فأقول : لأنه يشعرهم بالنقص .. فكل الناس يحبون الكمال ..
ذكروا أن رجلاً بسيطاً أراد أن يكون له شيء من التحكم ..
فعمد إلى ترمسي ماء أحدهما أخضر والثاني أحمر .. وعبأهما بالماء البارد ..
ثم جلس للناس في طريقهم .. وجعل يصيح : ماء بارد مجاناً ..
فكان العطشان يقبل عليه ويتناول الكأس ليصب لنفسه ويشرب .. فإذا رآه صاحبنا قد توجه للترمس الأخضر ..
قال له : لا .. اشرب من الأحمر .. فيشرب من الأحمر ..
وإذا أقبل آخر .. وأراد أن يشرب من الأحمر .. قال له : لا .. اشرب من الأخضر ..
فإذا اعترض أحدهم .. وقال : ما الفرق؟!
قال : أنا المسئول عن الماء .. يعجبك هذا النظام أو دبر لنفسك ماءً ..
إنه شعور الإنسان الدائم بالحاجة إلى اعتباره والاهتمام به ..
نحلة .. وذباب !!
كن نحلة تقع على الطيب وتتجاوز الخبيث .. ولا تك كالذباب يتتبع الجروح !!
32- لا تكن أُستاذيّاً !!
قارن بين ثلاثة آباء .. رأى كل واحد ولده جالساً عند التلفاز في أيام الامتحانات ..
فقال الأول لولده : يا محمد .. ذاكر دروسك ..
وقال الثاني : ماجد .. إذا ما ذاكرت دروسك والله لأضربك .. وأحرمك من المصروف .. و ..
أما الثالث فقال : صالح .. لو تذاكر دروسك .. أحسن لك من التلفاز .. صح؟!
أيهم أحسن أسلوباً ..؟
لا شك أنه الثالث .. لأنه قدم أمره على شكل اقتراح ..
وكذلك في التعامل مع زوجتك .. سارة ليتك تعملين شاي .. هند أتمنى أتغدى مبكراً اليوم ..
وكذلك ..
عندما يخطئ إنسان .. عالج خطأه بأسلوب يجعله يشعر أن الفكرة فكرته هو .. ولدك يغيب عن الصلاة في المسجد ..
قل له – مثلاً – : سعد .. ما تريد تدخل الجنة .. بلى .. إذن حافظ على صلاتك ..
في يوم من الأيام .. وفي خيمة أعرابي في الصحراء ..
جعلت امرأة تتأوه تلد .. وزوجها عند رأسها ينتظر خروج المولود ..
اشتد المخاض بالمرأة حتى انتهت شدتها وولدت ..
لكنها ولدت غلاماً أسود !!
نظر الرجل إلى نفسه .. ونظر إلى امرأته فإذا هما أبيضان .. فعجِبَ كيف صار الغلام أسود !!
أوقع الشيطان في نفسه الوساوس ..
لعل هذا الولد من غيرك !!
لعلها زنى بها رجل أسود فحملت منه !!
لعل ..
اضطرب الرجل وذهب إلى المدينة النبوية .. حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه ..
فقال : يا رسول الله .. إن امرأتي ولدت على فراشي غلاماً أسود !! وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط !!
نظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه .. وكان قادراً على أن يسمعه موعظة حول حسن الظن بالآخرين .. وعدم اتهام امرأته ..
لكنه أراد أن يمارس معه في الحل أسلوباً آخر ..
أراد أن يجعل الرجل يحل مشكلته بنفسه .. فبدأ يضرب له مثلاً يقرب له الجواب ..
فما المثل المناسب له ..؟ هل يضرب له مثلاً بالأشجار؟ أم بالنخل؟ أم بالفُرْس والروم؟
نظر إليه صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل عليه آثار البادية .. وإذا هو مضطرب تتزاحم الأفكار في رأسه حول امرأته ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : هل لك من إبل؟
قال : نعم ..
قال : فما ألوانها؟
قال : حمر ..
قال : فهل فيها أسود؟
قال : لا ..
قال : فيها أورق؟
قال : نعم ..
قال : فأنى كان ذلك ؟!
يعني : ما دام أنها كلها حمر ذكوراً وإناثاً .. وليس فيها أي لون آخر .. فكيف ولدت الناقة الحمراء ولداً أورق .. يختلف عن لونها ولون الأب (الفحل) ..
فكر الرجل قليلاً .. ثم قال : عسى أن يكون نزعه عرق .. يعني قد يكون من أجداده من هو أورق .. فلا زال الشبه باقياً في السلالة .. فظهر في هذا الولد ..
سمع الرجل هذا الجواب .. فكر قليلاً فإذا هو جوابه هو .. والفكرة فكرته .. فاقتنع وأيقن .. ومضى إلى امرأته ..
وفي يوم آخر ..
جلس صلى الله عليه وسلم مع أصحابه .. فجعل يحدثهم عن أبواب الخير ..
وكان مما ذكره .. أن قال : وفي بضع أحدكم صدقة ..
أي وطء أحدكم امرأته له فيه أجر ..
فعجب الصحابة وقالوا : يا رسول الله .. يأتي أحدنا شهوته .. ويكون له أجر ؟!!
فأجابهم صلى الله عليه وسلم بجواب يشعرون به أن الفكرة فكرتهم .. فلا يحتاجون لنقاش لإقناعهم بها ..
فقال صلى الله عليه وسلم : أرأيتم لو وضعها في حرام .. أكان عليه وزر ..
قالوا : نعم ..
قال : فكذلك لو وضعها في حلال كان له أجر ..
بل حتى أثناء الحوار مع الآخر ..
تدرج معه عند النصح في الأشياء التي أنتما متفقان عليها ..
خرج صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمراً في ألف وأربعمائة من أصحابه .. فمنعتهم قريش من دخول مكة ..
ووقعت أحداث قصة الحديبية المشهورة ..
في آخر الأمر وبعد مشاورات طويلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش .. اتفقوا على صلح ..
كان الذي تولى الاتفاق على بنود الصلح من جانب قريش هو سهيل بن عمرو ..
اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع سهيل على شروط ..
منها :
· أن يعود المسلمون أدراجهم إلى المدينة من غير عمرة ..
· وأن من دخل في الإسلام من أهل مكة وأراد أن يهاجر إلى المدينة فإن المسلمين في المدينة لا يقبلونه ..
· أما من ارتد عن إسلامه وأراد الذهاب إلى المشركين في مكة فإنه يقبل ..!!
إلى غير ذلك من الشروط التي في ظاهرها أنها هزيمة للمسلمين وإذلال لهم ..
كانت قريش في الواقع خائفة من هذا العدد الكبير من المسلمين .. وتعلم أن المسلمين لو شاءوا لفتحوا مكة .. ولهذا كانت قريش تضطر إلى التلطف والمصانعة ..
وكأني بهم .. ما كانوا يحلمون أن يظفروا ولا بربع هذه الشروط ..
كان أكثر الصحابة متضايقاً من شروط العقد ..
لكن أنى لهم أن يعترضوا .. والذي يكتب العقد ويمضيه رجل لا ينطق عن الهوى ..
كان عمر متحفزاً .. ينظر يميناً وشمالاً .. يتمنى لو يستطيع عمل شيء ..
فلم يصبر ..
وثب عمر فأتى أبا بكر .. وأراد أن يناقشه ..
فمن حكمته .. لم يبدأ بالاعتراض .. وإنما بدأ بالأشياء التي هما متفقان عليها ..
وجعل يسأل أبا بكر أسئلة جوابها .. بلى .. نعم .. صحيح ..
فقال : يا أبا بكر .. أليس برسول الله ..؟!
قال : بلى ..
قال : أولسنا بالمسلمين ؟!
قال : بلى ..
قال : أوليسوا بالمشركين ؟!
قال : بلى ..
قال : أولسنا على الحق ؟
قال : بلى ..
قال : أوليسوا على الباطل ؟
قال : بلى ..
قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟!
فقال : يا أبا بكر .. أليس برسول الله ..؟!
قال : بلى ..
قال : أولسنا بالمسلمين؟!
قال : بلى ..
قال : أوليسوا بالمشركين؟!
قال : بلى ..
قال : أولسنا على الحق؟
قال : بلى ..
قال : أوليسوا على الباطل؟
قال : بلى ..
قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!
فقال أبو بكر : يا عمر .. أليس هو رسول الله.؟
قال : بلى ..
قال : فالزم غِرْزه .. فإني أشهد أنه رسول الله ..
أي كن وراءه تابعاً لا تخالفه أبداً .. كما أن غرزات
الخيط في الثوب تكون متتابعة ..
قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله ..
مضى عمر .. حاول أن يصبر .. فلم يستطع ..
فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فقال : يا رسول الله .. ألست برسول الله ؟!
قال : بلى ..
قال : أولسنا بالمسلمين ..؟
قال : بلى ..
قال : أوليسوا بالمشركين .. ؟!
قال : بلى ..
قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!
فقال صلى الله عليه وسلم : أنا عبد الله ورسوله .. لن
أخالف أمره .. ولن يضيعني ..
سكت عمر .. ومضى الكتاب .. ورجع المسلمون إلى المدينة
..
ومضت الأيام .. ونقضت قريش العهد .. وأقبل رسول الله صلى
لله عليه وسلم فاتحاً مكة .. مطهراً البيت الحرام من الأصنام ..
وأدرك عمر أنه كان في اعتراضه حينذاك على غير السبيل
..
فكان رضي الله عنه يقول :
ما زلت أصوم .. وأتصدق .. وأصلي .. وأعتق .. من الذي
صنعت يومئذ .. مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ .. حتى رجوت أن يكون خيراً ..
فلله
در عمر .. ودر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله ..
كيف
نستفيد أكثر من هذه المهارة؟
لو
كان ولدك لا يعتني بحفظ القرآن .. وتريده أن يزداد حرصاً ..
ابدأ
بالأشياء التي أنتما متفقان عليها .. ألا تريد أن يحبك الله .. ألا تريد أن ترتقي
في درجات الجنة ..
سيجيبك
حتماً : بلى ..
عندها
قدم النصيحة على شكل اقتراح .. : إذن فلو أنك شاركت في حلقة تحفيظ القرآن ..
وكذلك
أنتِ : لو رأيتِ امرأة لا تعتني بحجابها ..
ابدئي
معها بالأشياء التي أنتما متفقتان عليها ..
أنا
أعلم أنك مسلمة .. وحريصة على الخير ..
ستقول
: صحيح .. الحمد لله ..
وامرأة
عفيفة .. وتحبين الله ..
ستقول
: إي والله .. الحمد لله ..
عندها
قدمي النصيحة على شكل اقتراح : فلو أنك اعتنيت بحجابك أكثر .. وحرصت على الستر ..
هكذا
يمكننا أن نحصل على ما نريد من الناس من غير أن يشعروا ..
بارقة
..
تستطيع
أن تأكل العسل دون تحطيم الخلية ..
33- أمسك العصا من
النصف !!
أشكرك
على اختيارك مهنة التدريس .. وقد آتاك الله أسلوباً حسناً .. وطلابك يحبونك كثيراً
.. و ..
ولكن
: ليتك ما تتأخر على الدوام في الصباح ..
أنت
جميلة .. والبيت مرتب .. ولا أنكر أن الأولاد متعبون .. و ..
ولكن
: أتمنى أن تهتمي بملابسهم أكثر ..
هكذا
كان أسلوب صالح مع الناس .. يذكر الجوانب المشرقة عند المخطئ ثم ينبهه على أخطائه
.. ليكون عادلاً ..
عندما
تنتقد حاول أن تذكر جوانب الصواب في المخطئ .. قبل غيرها ..
حاول
دائماً أن تشعر الذي أمامك أن نظرتك إليه مشرقة .. وأنك عندما تنبهه على أخطائه لا
يعني ذلك أنه سقط من عينك .. أو أنك نسيت حسناته ولا تذكر إلا سيئاته ..
لا
.. بل أشعره أن ملاحظاتك عليه تغوص في بحر حسناته ..
كان
النبي صلى الل عليه وسلم محبوباً بين أصحابه .. وكان يمارس أساليب رائعة في
التعامل معهم ..
وقف
مرة بينهم .. فشخص ببصره إلى السماء .. كأنه يفكر أو يترقب شيئاً ..
ثم
قال : هذا أوانُ يختلس العلم من الناس .. حتى لا يقدروا منه على شيء ..
أي
: يُعرض الناس عن القرآن وتعلمه .. وعن العلم الشرعي .. فلا يحرصون عليه ولا
يفهمونه ..
فيُختلسُ
منهم .. أي : يرفع عنهم ..
فقام
صحابي جليل .. هو زياد بن لبيد الأنصاري وقال بكل حماس :
يا
رسول الله، وكيف يختلس منا؟! وقد قرأنا القرآن! فوالله لنقرأنه، ولنقرئنه نساءنا
وأبناءنا ..
فنظر
إليه النبي صلى الله عليه وسلم .. فإذا شاب يتفجر حماساً وغيرة على الدين .. فأراد
أن ينبهه على فهمه .. فقال :
ثكلتك
أمك يا زياد، إني كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة ..
وهذا
ثناء على زياد .. أن يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام الناس إنه من
فقهاء المدينة .. هذا ذكر لجوانب الصواب والصفحات المشرقة لزياد ..
ثم
قال : هذا التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغني عنهم؟!..
أي
ليست العبرة يا زياد بوجود القرآن .. وإنما العبرة بقراءته ومعرفة معانيه والعمل
بأحكامه ..
هكذا
كان تعامله رائعاً ..
وفي
يوم آخر .. يمر صلى الله عليه وسلم ببعض قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام .. وكان
يختار أحسن العبارات لأجل ترغيبهم في الاستجابة له والدخول في الإسلام ..
فمر
بقبيلة منهم .. اسمهم : بنو عبد الله .. فدعاهم إلى الله .. وعرض عليهم نفسه ..
وجعل يقول لهم :
يا
بني عبد الله .. إن الله قد أحسن اسم أبيكم ..
يعني
لستم ببني عبد العزى .. أو بني عبد اللات .. وإنما أنتم بنو عبد الله .. فليس في
اسمكم شرك فادخلوا في الإسلام ..
بل كان من براعته أنه كان يرسل رسائل غير مباشرة إلى
الناس .. يذكر فيها إعجابه بهم .. ومحبته الخير لهم .. فإذا بلغتهم هذه الرسائل ..
عملت فيهم من التأثير أكثر مما تعمله – ربَّما – الدعوة المباشرة ..
كان خالد بن الوليد رضي الله عنه بطلاً .. ولم يكن
بطلاً عادياً .. بل كان بطلاً مغواراً .. يضرب له ألف حساب ..
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتشوق لإسلامه .. لكن
أنى له ذلك .. وخالد ما ترك حرباً ضد المسلمين إلا خاضها .. بل كان هو من أكبر
أسباب هزيمة المسلمين في معركة أحد ..
قال فيه النبي يوماً .. لو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه
على غيره ..
فكيف كان تأثير ذلك؟
خذ القصة من أولها ..
كان خالد من أشداء الكفار وقادتهم ..
لا يكاد يفوت فرصة إلا حارب فيها رسول الله أو ترصّد له ..
فلما أقبل رسول الله مع المسلمين إلى الحديبية ..
وأرادوا العمرة ..
خرج خالد في خيل من المشركين .. فلقوا النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه بموضع يقال له : عسفان ..
فقام خالد قريباً منهم يتحين الفرصة ليصيب رسول الله برمية
سهم أو ضربة سيف ..
جعل يترصد ويترقب ..
فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر
أمامهم .. فهموا أن يهجموا عليهم .. فلم يتيسر لهم ..
فكأن النبي علم بهم .. فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة
الخوف ..
أي قسم أصحابه إلى فريقين .. فريق يصلي معه وفريق يحرس
..
فوقع ذلك من خالد وأصحابه موقعاً .. وقال في نفسه :
الرجل ممنوع عنا .. أي هناك من يحميه ويمنع عنه الأذى !!
ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. وسلكوا طريقاً
ذات اليمين .. لئلا يمروا بخالد وأصحابه ..
وصل إلى الحديبية .. صالح قريشاً على أن يعتمر في
العام القادم .. ورجع إلى المدينة ..
رأى خالد أن قريشاً لا يزال شأنها ينخفض في العرب
يوماً بعد يوم ..
فقال في نفسه : أي شيء بقي؟ أين أذهب؟
إلى النجاشي؟ .. لا .. فقد اتبع محمداً وأصحابه عنده
آمنون ..
فأخرج إلى هرقل؟.. لا .. أخرج من ديني إلى نصرانية ؟..
أو يهودية؟ وأقيم في عجم؟..
فبينما خالد يفكر في شأنه .. ويتردد .. والأيام
والشهور تمضي عليه ..
إذ جاء موعد عمرة المسلمين .. فأقبلوا إلى المدينة ..
دخل صلى الله عليه وسلم مكة معتمراً ..
فلم يحتمل خالد رؤية المسلمين محرمين .. فخرج من مكة
.. وغاب أياماً أربعة وهي الأيام التي قضاها النبي في مكة ..
قضى النبي عمرته .. وجعل ينظر في طرقات مكة وبيوتها ..
ويستعيد الذكريات ..
تذكر البطل خالد بن الوليد ..
فالتفت إلى الوليد بن الوليد .. وهو أخو خالد .. وكان
الوليد مسلماً قد دخل مع النبي معتمراً ..
وأراد صلى الله عليه وسلم أن يبعث إلى خالد رسالة غير
مباشرة .. يرغبه فيها بالدخول في الإسلام ..
قال النبي للوليد : أين خالد؟
فوجئ الوليد بالسؤال .. وقال : يأتي الله به يا رسول
الله ..
فقال عليه السلام : " مثله يجهل الإسلام!! ولو
كان جعل نكايته وَحَدَّه مع المسلمين .. كان خيراً له ..
ثم قال : ولو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره ..
استبشر الوليد .. وجعل يطلب خالداً ويبحث عنه في مكة
.. فلم يجده ..
فلما عزموا على الرجوع للمدينة ..
كتب الوليد كتاباً إلى أخيه :
بسم الله الرحمن الرحيم .. أما بعد .. فإني لم أر أعجب
من ذهاب رأيك عن الإسلام .. وعقلك عقلك! ومثل الإسلام يجهله أحد؟
وقد سألني رسول الله عنك وقال : أين خالد؟ فقلت : يأتي
الله به ..
فقال : " مثله جهل الإسلام!! ولو كان جعل نكايته
وَحَدَّه مع المسلمين .. كان خيراً له .. ولو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره
..
فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة ..
قال خالد : فلما جاءني كتابه .. نشطت للخروج .. وزادني
رغبة في الإسلام ..
وسرني سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ..
وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة .. فخرجت إلى
بلاد خضراء واسعة ..
فقلت : إن هذه لرؤيا حق ..
فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله قلت :
من أصاحب إلى رسول الله؟!
فلقيت صفوان بن أمية .. فقلت :
يا أبا وهب أما ترى ما نحن فيه؟ إنما نحن كأضراس يطحن
بعضها بعضاً ..
وقد ظهر محمد على العرب والعجم ..
فلو قدمنا على محمد واتبعناه .. فإن شرف محمد لنا شرف؟
فأبى أشد الإباء .. وقال : لو لم يبق غيري ما اتبعته
أبداً ..
فافترقنا .. وقلت في نفسي :
هذا رجل مصاب .. قتل أخوه وأبوه بمعركة بدر ..
فلقيت عكرمة بن أبي جهل .. فقلت له مثل ما قلت لصفوان
بن أمية ..
فقال لي مثل ما قال لي صفوان بن أمية ..
قلت : فاكتم علي خروجي إلى محمد ..
قال : لا أذكره لأحد.
فخرجت إلى منزلي .. فأمرت براحلتي فخرجت بها ..
إلى أن لقيت عثمان بن طلحة .. فقلت :
إن هذا لي صديق .. فلو ذكرت له ما أرجو ..
ثم ذكرت من قتل من آبائه في حربنا مع المسلمين ..
فكرهت أن أذكِّره ..
ثم قلت : وما علي أن أخبره .. وأنا راحل في ساعتي هذه!..
فذكرت له ما صار أمر قريش إليه .. وقلت :
إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر .. لو صُب عليه ذنوب من
ماء لخرج ..
وقلت له نحواً مما قلت لصاحبَيْ .. فأسرع الإستجابة
وعزم على الخروج معي للمدينة !..
فقلت له : إني خرجت هذا اليوم .. وأنا أريد أن أمضي
للمدينة ..
وهذه راحلتي مجهزة لي على الطريق ..
قال : فتواعدنا أنا وهو في موضع يقال له "يأجج
" .. إن سبقني أقام ينتظرني .. وإن سبقته أقمت أنتظره ..
فخرجت من بيتي آخر الليل سَحَراً .. خوفاً من أن تعلم
قريش بخروجنا ..
فلم يطلع الفجر حتى التقينا في "يأجج" ..
فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة ..
فوجدنا عمرو بن العاص على بعيره ..
قال : مرحباً بالقوم .. إلى أين مسيركم؟
فقلنا : وما أخرجك؟
فقال : وما أخرجكم؟
قلنا : الدخول في الإسلام .. واتباع محمد صلى الله
عليه وسلم ..
قال : وذاك الذي أقدمني.
فاصطحبنا جميعاً حتى دخلنا المدينة ..
فأنخنا بظهر الحرة ركابنا ..
فأُخبر بنا رسول الله فسر بنا ..
فلبست من صالح ثيابي .. ثم توجهت إلى رسول الله ..
فلقيني أخي فقال :
أسرع .. فإن رسول الله .. قد أُخبر بك فسُرَّ بقدومك
وهو ينتظركم ..
فأسرعنا السّير .. فأقبلت إلى رسول الله أمشي .. فلما
رآني من بعيد تبسّم .. فما زال يتبسم إليَّ حتى وقفت عليه ..
فسلمت عليه بالنبوة .. فرد على السلام بوجه طلْق ..
فقلت : إني أشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله
..
فقال : " الحمد لله الذي هداك .. قد كنت أرى لك
عقلاً .. رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير " ..
قلت : يا رسول الله .. إني قد رأيت ما كنت أشهد من تلك
المواطن عليك .. معانداً للحق .. فادع الله أن يغفرها لي ..
فقال صلى الله عليه وسلم : " الإسلام يجب ما كان
قبله " ..
قلت : يا رسول الله .. على ذلك .. فاستغفر لي ..
قال : " اللهم اغفر لخالد بن الوليد .. كل ما
أَوْضع فيه .. من صد عن سبيل الله " ..
ومن
يعدها كان خالد رأساً من رؤوس هذا الدين ..
أما
إسلامه فكان برسالة غير مباشرة وصلت إليه من رسول الله ..
فما
أحلمه صلى الله عليه وسلم وأحكمه ..
فلنتبع
مثل هذه المهارات في التأثير في الناس ..
فلو
رأيت شخصاً يبيع دخاناً في بقالة فأردت تنبيهه ..
فأثن
أولاً على بقالته ونظافتها .. وادعُ له بالبركة في الربح .. ثم نبهه على أهمية
الكسب الحلال .. ليشعر أنك لم تنظر إليه بمنظار أسود .. بل أمسكت العصا من النصف
..
كن
ذكياً .. ابحث عن أي حسنات فيمن أمامك تغمر فيها سيئاته .. أحسن الظن بالآخرين ..
ليشعروا بعدلك معهم فيحبوك ..
لمحة
..
عندما
يقتنع الناس أننا نلحظ حسناتهم .. كما نلحظ سيئاتهم .. يقبلون منا التوجيه ..