نواصل معكم زوارنا الكرام نشر كتاب
*.* استمتع بحياتك *.*
والذي تحدث فيه عن
مهارات وفنون التعامل مع الناس
في ظل السيرة النبوية
وقضايا اجتماعية هامة
الجزء العاشر:
37- أقنعه
بخطئه ليقبل النصح
بعض
الناس يشغل الآخرين بكثرة التوجيهات والملاحظات حتى يوصلهم إلى مرحلة الملل
والاستثقال ..
خاصة
إذا كانت النصائح والتوجيهات مبنية على آراء وأمزجة شخصية ..
كمن
ينصحك بعد وليمة دعوت الناس إليها وتعبت في إعدادها وتعب معك أهلك ومالك! ثم يقول
لك هذا الناصح : يا أخي الوليمة ما كانت مناسبة .. وتعبك ذهب هدراً .. وكنت أظن
أنها ستكون بمستوى أعلى من هذا .. فتقول لماذا؟ فيقول : يا أخي أكثر اللحم كان
مشوياً .. وأنا أحب اللحم المسلوق!!
والسلطات
كانت حامضة بسبب الليمون .. وأنا لا أحب ذلك ..
وكذلك
الحلويات كانت مزينة بالكريمة .. وهذا يجعل طعمها غير مقبول ..
ثم
يقول لك : وعموماً أكثر الناس أيضاً تضايقوا .. وما أكلوا إلا مجاملة .. أو لأنهم
اضطروا إليه ..
فقطعاً
.. أنت هنا ستنظر إلى هذا الناصح نظرة ازدراء وإعراض .. ولن تقبل منه نصيحته؛
لأنها مبنية على آراء وأمزجة شخصية ..!!
قل مثل
ذلك فيمن ينصح آخر حول طريقة تعامله مع أولاده .. أو مع زوجته .. أو طريقة بنائه
لبيته .. أو نوع سيارته .. بناء على ذوقه الخاص ..
انتبه
دائماً أن تكون هذه النصائح والانتقادات مبنية على مجرد أمزجة شخصية ..
نعم لو
طلب رأيك .. أبده له واعرضه عليه .. أما أن تتكلم معه وتنصح كما تنصح المخطئ ..
فلا ..
وأحياناً
.. المنصوح لا يشعر أنه مخطئ فلابد أن تكون حجتك قوية عند نصحه ..
جلس
أعرابي صلف مع قوم صالحين .. فتكلموا حول بر الوالدين .. والأعرابي يسمع ..
فالتفت
إليه أحدهم وقال : يا فلان .. كيف برك بأمك ..
فقال
الأعرابي : أنا بها بار ..
قال :
ما بلغ من برك بها؟
قال :
والله ما قرعتها بسوط قط !!
يعني
إن احتاج إلى ضربها .. ضربها بيده أو عمامته .. أما السوط فلا يضربها به .. من شدة
البرّ!!
فالمسكين
ما كان ميزان الخطأ والصواب عنده مستقيماً ..
فكن
رفيقاً لطيفاً .. حتى يقتنع الذي أمامك بخطئه ..
كان في
عهده صلى الله عليه وسلم امرأة من بني مخزوم تستلف المتاع من النساء .. وتتغافل عن
رده فإذا سألوها عنه جحدته .. وأنكرت أنها أخذت شيئاً ..
حتى
زاد أذاها في الجحد والسرقة فرفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقضى
فيها أن تقطع يدها ..
فشق
على قريش أن تقطع يدها وهي من قبيلة من كبار قبائل قريش ..
فأرادوا
أن يكلموا النبي صلى الله عليه وسلم ليخفف هذا الحكم إلى حكم آخر .. كجلد أو غرامة
مال .. أو نحو ذلك ..
وكلما
توجه رجل منهم لنقاش النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر .. تردد ورجع ..
فقالوا
لن يجترئ على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أسامة بن زيد .. حِبُّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه .. تربى هو وأبوه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم
حتى صار كولده ..
فكلموا
أسامة ..
أقبل
أسامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فرحب به وأجلسه عنده ..
جعل أسامة
يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ليخفف الحكم .. ويبين أن هذه المرأة من أشراف الناس
..
وأسامة
يواصل الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع .. كان أسامة يحاول إقناع النبي صلى
الله عليه وسلم برأيه ..
نظر
النبي صلى الله عليه وسلم إلى أسامة .. فإذا هو يحاول ويناقش .. بكل قناعة .. ولا
يدري أنه يطلب منه ما لا يجوز ..!!
فتغير
النبي وغضب صلى الله عليه وسلم وكان أول كلمة قالها أن بين له خطأه فقال :
أتشفع
في حد من حدود الله يا أسامة؟
فكأنه
يبين سبب غضبه لأسامة .. وأن حدود الله تعالى التي أوجب على عباده إقامتها لا تجوز
الشفاعة فيها ..
فانتبه
أسامة .. وقال فوراً : استغفر لي يا رسول الله ..
فلما
كان الليل .. قام صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس وأثنى على الله بما هو أهله ..
ثم قال :
"
أما بعد .. فإنما أهلك الذين من قبلكم :
أنهم
كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه .. وإذا سرق فيهم الضعيف .. أقاموا
عليه الحد ..
وإني
والذي نفسي بيده .. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .."
ثم أمر
بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها ..
قالت
عائشة رضي الله عنها : فحسنت توبتها بعدُ .. وتزوجت ..
وكانت
تأتيني بعد ذلك .. فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ..
أسامة
رضي الله عنه، له مواقف متعددة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كلها تفيض
بالرحمة والتعامل الراقي ..
قال
أسامة بن زيد : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقات من جهينة ..
فهزمناهم
وخرجنا في آثارهم .. فلحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ..
فلاذ
منا بشجرة ..
فلما
أدركناه .. ورفعنا عليه السيف .. قال : لا إله إلا الله ..
فأما
صاحبي الأنصاري فخفض سيفه ..
وأما
أنا فظننت أنه يقولها فرقاً من السلاح .. فحملت عليه فقتلته ..
فعرض
في نفسي من أمره شيء .. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ..
فأخبرته
..
فقال
لي : أقال لا إله إلا الله .. ثم قتلته؟!
قلت :
إنه لم يقلها من قِبَلِ نفسه .. إنما قالها فرقاً من السلاح ..
فأعاد
علي : أقال لا إله إلا الله .. ثم قتلته؟!
فهلا
شققت عن قلبه .. حتى تعلم أنه إنما قالها فرقاً من السلاح ..
سكت
أسامة .. فهو لم يشق عن قلب الرجل فعلاً ..!! لكنه كان في ساحة حرب .. والرجل
مقاتل!!
فأعاد
عليه صلى الله عليه وسلم السؤال مستنكراً : أقال لا إله إلا الله .. ثم قتلته؟!
يا
أسامة قتلت رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله!! كيف تصنع بلاإله إلا الله يوم
القيامة ؟!
فتأمل
كيف تدرج معه ببيان الخطأ وإقناعه به .. ثم وعظه ونصحه ..
ولأجل
أن يقتنع المنصوح بما تقول .. ناقشه بأفكاره ومبادئه هو قدر المستطاع ..
نعم
فكر من وجهة نظره ..
بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه المبارك .. يحيط به أصحابه الأطهار ..
إذ دخل
شاب إلى المسجد وجعل يتلفت يميناً وشمالاً كأنه يبحث عن أحد ..
وقعت عيناه
على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأقبل يمشي إليه ..
كان
المتوقع أن يجلس الشاب في الحلقة ويستمع إلى الذكر .. لكنه لم يفعل ..!
إنما
نظر الشاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله .. ثم قال بكل جرأة :
يا
رسول الله .. ائذن لي بـ .. بطلب العلم؟!
لا ..
لم يقلها .. ويا ليته قالها ..
ائذن
لي بالجهاد .. لا .. ويا ليته قالها ..
أتدري
ماذا قال؟
قال :
يا رسول الله .. ائذن لي بالزنا ..
عجباً
!! هكذا بكل صراحة؟!!
نعم ..
هكذا : ائذن لي بالزنا ..
نظر
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشاب .. كان يستطيع أن يعظه بآيات يقرؤها عليه ..
أو نصيحة مختصرة يحرك بها الإيمان في قلبه .. لكنه صلى الله عليه وسلم سلك أسلوباً
آخر ..
قال له
صلى الله عليه وسلم بكل هدوء : أترضاه لأمك؟
فانتفض
الشاب وقد مرَّ في خاطره أن أمه تزني .. فقال : لا .. لا أرضاه لأمي ..
فقال
له صلى الله عليه وسلم بكل هدوء : كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ..
ثم
فاجأه سائلاً : أترضاه لأختك؟!
فانتفض
الشاب أخرى .. وقد تخيل أخته العفيفة تزني .. وقال مبادراً : لا .. لا أرضاه لأختي
..
فقال
صلى الله عليه وسلم : كذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم ..
ثم
سأله : أترضاه لعمتك؟! أترضاه لخالتك؟!
والشاب
يردد : لا .. لا ..
فقال
صلى الله عليه وسلم : فأحب للناس ما تحب لنفسك .. واكره للناس ما تكره لنفسك ..
أدرك
الشاب عند ذلك أنه كان مخطئاً .. فقال بكل خضوع :
يا
رسول الله .. ادعُ الله أن يطهر قلبي ..
فدعاه
صلى الله عليه وسلم .. فجعل الشاب يقترب .. ويقترب .. حتى جلس بين يديه .. ثم وضع
يده على صدره .. وقال :
اللهم
اهد قلبه .. واغفر ذنبه .. وحصن فرجه ..
فخرج
الشاب وهو يقول : والله لقد دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وما شيء أحب
إليَّ من الزنا .. وخرجت من عنده وما شيء أبغض إليَّ من الزنا ..
ثم
انظر إلى استعمال العواطف .. دعاه .. وضع يده على صدره .. دعا له ..
يعني
استعمل جميع الأساليب لإصلاح من أمامه .. بعدما جعله يقتنع بشناعة الفعل ليتركه عن
قناعة .. فلا يفعله أبداً .. لا أمامه ولا خلفه ..
قاعدة ..
إذا شعر المخطئ ببشاعة خطئه
اقتنع بحاجته للنصيحة .. وصار قبوله أكثر .. وقناعته أكبر ..
38- لا
تلمني !! انتهى الأمر ..؟
يظن
بعض الناس أنه عندما يلوم الآخرين على أخطائهم التي ربما تكون لا ترى إلا بالمجهر
..
يظن
أنه يتقرب منهم أكثر .. أو أنه يقوي شخصيته بذلك ..
والحق
أنه ليس الذكاء والفطنة أن تستطيع اللوم .. وإنما هو أن تتجنبه قدر المستطاع ..
وتسعى إلى إصلاح الأشخاص بأساليب لا تجرح .. ولا تحرج ..
أحياناً
تحتاج في بعض الأمور أن تتعامى .. خاصة الأشياء الدنيوية .. والحقوق الخاصة ..
ليس
الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي، والملوم
يعتبر اللوم سهماً حاداً يوجه إليه .. لأنه يشعره بنقصه ..
هذا أولاً ..
ثانياً
: تجنب النصح في الملأ قدر المستطاع ..
تغمدني
بنصحك في انفرادي .. وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع .. من
التوبيخ لا أرضى استماعه بل .. إذا انتشر خطأ معين .. واضطررت إلى النصح العام ..
فاعمل بقاعدة : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .. كما تقدم معنا ..
إذن ..
اللوم كالسوط الذي يجلد به اللائم ظهر الملوم ..
وبعض
الناس ينفر الآخرين إما بكثرة لومه .. أو بلومه على أمور انتهت ولا يقدم اللوم أو
يؤخر فيها شيئاً ..
أذكر
أن رجلاً فقيراً .. تغرب عن أهله إلى بلد آخر .. واشتغل سائق شاحنة .. كان في أحد
الأيام متعباً لكنه ركب الشاحنة ومضى بها في طريق طويل بين مدينتين ..
غلبه
النوم أثناء الطريق .. فجعل يصارعه وأسرع قليلاً .. فتجاوز سيارة أمامه دون أن
ينتبه إلى الطريق فإذا أمامه سيارة صغيره فيها ثلاثة أشخاص .. حاول أن يتفاداها ..
لم يستطع .. فاصطدم بها وجهاً لوجه ..
ثار
الغبار .. وجعل المارة يوقفون سياراتهم ويتفرجون على الحادث ..
نزل
سائق الشاحنة .. ونظر إلى السيارة المصدومة .. وإلى من بداخلها فإذا هم موتى ..
أنزلهم
الناس واتصلوا بالإسعاف ..
قعد
سائق الشاحنة ينتظر وصول الإسعاف .. ويفكر فيما سيحصل له بعد الحادث من سجن ودية
.. ويفكر في أولاده الصغار .. وزوجته ..
مسكين
.. هموم انهدت عليه كالجبال ..!!
جعل
الناس يمرون به ويلومونه ..
عجباً
..!! أهذا وقت اللوم .. ألا يمكن أن يؤجل قليلاً؟
قال
أحدهم : لماذا تسرع؟ هذه عواقب السرعة ..
وقال
آخر : أكيد أنك كنت نعسان ومع ذلك استمررت في القيادة ..! لم توقف سيارتك وتنام
..؟
وقال
ثالث : المفروض أن مثلك لا تصرف لهم رخص قيادة !!
كانوا
يقولون هذه العبارات بأسلوب حاد .. فيه تعنيف وصراخ ..
كان
الرجل واجماً .. جالساً على صخرة ساكتاً .. متكئاً برأسه على يديه ..
وفجأة
هوى على جنبه .. و .. و .. مات ..
قتلوه
بلومهم .. ولو صبروا قليلاً لكان خيراً له ولهم ..
ضع
نفسك موضع الملوم ..المخطئ .. وفكر من وجهة نظره ..
فأحياناً
لو كنت مكانه قد تقع في خطأ أكبر من خطئه ..
كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك كثيراً ..
لما
انصرف صلى الله عليه وسلم من خيبر.. أطالوا المسير حتى تعبوا ..
فلما
أقبل الليل .. نزلوا في موضع في الطريق ليناموا ..
فقال
صلى الله عليه وسلم : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام؟
كان
بلال رضي الله عنه متحمساً فقال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك؟
فاضطجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ونزل الناس فناموا ..
وقام
بلال يصلي حتى تعب .. وقد كان متعباً من طول الطريق قبل ذلك ..
فقعد
واستند إلى بعيره مستريحاً .. واستقبل الفجر يرمقه .. فغلبته عينه .. فنام ..
كان
الجميع في تعب شديد .. فطال نومه ونومهم .. ومضى الليل .. وطلع لا صبح .. والكل
نيام .. ولم يوقظهم إلا حر الشمس ..
استيقظ
رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهبَّ الناس من نومهم .. فلما رأوا الشمس اضطربوا
.. وكثر لغطهم ..
الكل
ينظر إلى بلال ..
التفت
صلى الله عليه وسلم إلى بلال وقال : ماذا صنعت بنا يا بلال؟
فأجاب
بلال بجواب مختصر .. لكنه موضح للواقع تماماً ..
قال :
يا رسول الله .. أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ..
يعني
أنا بشر .. حاولت أن أقاوم النوم .. فلم أستطع .. غلبني النوم كما غلبكم !!
فقال
صلى الله عليه وسلم : صدقت .. وسكت عنه ..
نعم
فما فائدة اللوم هنا ..
فلما
رأى صلى الله عليه وسلم اضطراب الناس .. قال صلى الله عليه وسلم : ارتحلوا ..
فارتحلوا
.. فمشى شيئاً يسيراً ..
ثم نزل
ونزلوا .. فتوضأ وتوضئوا ..
ثم صلى
بالناس ..
فلما
سلم .. أقبل على الناس فقال :
إذا
نسيتم الصلاة .. فصلوها إذا ذكرتموها ..
فلله
دره ما أعقله وأحكمه صلى الله عليه وسلم ..
كان
مدرسة لكل قائد ..
ليس
مثل بعض الرؤساء اليوم لا تكاد عصا اللوم والتقريع تنزل من يده ..
بل كان
صلى الله عليه وسلم يضع نفسه مكان من تحته ويفكر بعقولهم .. ويتعامل مع القلوب قبل
الأجساد ..
يعلم
أنهم بشر .. وليسوا آلات !!
في
السنة الثامنة من الهجرة ..
جمع
الروم جيشاً .. وأقبل من جهة الشام .. لقتال النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ..
وقيل
إنه صلى الله عليه وسلم جمع جيشاً لغزوهم ابتداءً ..
بدأ
صلى الله عليه وسلم يجهز جيشاً لإرساله إليهم .. فلم يزل يحث الناس حتى جمع ثلاثة
آلاف ..
فزودهم
بما وجد من سلاح وعتاد ..
قال
لهم : أميركم زيد بن حارثة ..
فإن
أصيب زيد .. فجعفر بن أبي طالب على الناس ..
فإن
أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ..
وخرج
معهم صلى الله عليه وسلم يودعهم ..
وخرج
الناس يودعون الجيش ..
ويقولون
: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين ..
كان
عبد الله بن رواحة مشتاقاً إلى الشهادة .. فقال :
لكنني
أسأل الرحمن مغفرةً وضربةً ذات فرغ تقذف الزبدا
أو
طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى
يقال إذا مروا على جدثي ياأرشد الله من غازٍ وَقد رشدا
ثم مضى
الجيش حتى نزلوا "معان" من أرض الشام ..
فبلغهم
أن هرقل ملك الروم قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ..
وانضم
إليه من القبائل حوله مائة ألف .. فصار جيش الروم مائتي ألف ..
فلما
تيقن المسلمون من ذلك .. أقاموا في "معان" ليلتين ينظرون في أمرهم ..
فقال
بعضهم : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا ..
فإما
أن يمدنا بالرجال ..
أو
يأمرنا بما يشاء فنمضي له .. وكثر كلام الناس في ذلك ..
فقام
عبد الله بن رواحة .. ثم صاح بالناس وقال :
يا قوم
.. والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم تطلبون .. الشهادة في سبيل الله .. تفرون
منها !!
وما
نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة .. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله
به .. فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين .. إما ظهور وإما شهادة ..
فمضى
الناس .. يسيرون ..
حتى
إذا دنوا من جيش الروم .. في موقعة "مؤتة" فإذا أعداد عظيمة لا قبل لأحد
بها ..
قال
أبو هريرة رضي الله عنه : شهدت يوم مؤتة .. فلما دنا منا المشركون .. رأينا ما لا قبل لأحد به من
العدة .. والسلاح .. والكراع .. والديباج .. والحرير .. والذهب ..
فبرق بصري ..
فقال لي ثابت بن أرقم : يا أبا هريرة .. كأنك
ترى جموعاً كثيرة؟
قلت : نعم ..
قال : إنك لم تشهد بدراً معنا .. إنا لم ننصر
بالكثرة ..
ثم التقى الناس فاقتتلوا ..
فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
كثرت عليه الرماح وسقط صريعاً شهيداً ..
فأخذ الراية جعفر بكل بطولة .. فاقتحم عن فرس
له شقراء فجعل يقاتل القوم .. وهو يقول :
يا حبذا الجنة واقـترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
علي إن لاقيتها ضرابها
أن جعفر أخذ اللواء بيمينه فقطعت ..
فأخذ اللواء بشماله فقطعت ..
فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين
سنة ..
قال ابن عمر : وقفت على جعفر يومئذ .. وهو قتيل
.. فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره ..
فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما
حيث يشاء ..
إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعته
نصفين ..
فلما قتل جعفر .. أخذ عبد الله بن رواحة الراية
..
ثم تقدم بها وهو على فرسه ..
فجعل يستنزل نفسه .. ويتردد بعض التردد ..
ويقول :
أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة
ثم قال :
يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت
ثم نزل .. فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم
..
شد بهذا صلبك .. فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما
لقيت ..
فأخذه من يده فانتهش منه نهشة .. ثم سمع الحطمة
في ناحية الناس ..
فقال : وأنت في الدنيا! فألقاه من يده .. ثم
أخذ سيفه ثم تقدم ..
فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ..
فوقعت الراية .. واضطرب المسلمون .. وابتهج
الكافرون ..
والراية تطؤها الخيل .. ويغلوها الغبار ..
فأقبل البطل ثابت بن أرقم ..
ثم رفعها .. وصاح ..
يا معاشر المسلمين .. هذه الراية .. فاصطلحوا
على رجل منكم ..
فتصايح من سمعه وقالوا : أنت .. أنت ..
قال : ما أنا بفاعل ..
فأشاروا إلى خالد بن الوليد ..
فلما أخذ الراية .. قاتل بقوة .. حتى إنه كان
يقول :
لقد اندقَّ في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما
بقي في يدي إلا صفيحة يمانية ..
ثم انحاز خالد بالجيش .. وانحاز الروم إلى
معسكرهم ..
خشي خالد أن يرجع بالجيش إلى المدينة من ليلته
.. فيتبعهم الروم ..
فلما أصبحوا .. غير خالد مواقع الجيش ..
فجعل مقدمة الجيش .. في المؤخرة ..
وجعل مؤخرة الجيش مقدمة ..
ومن كانوا يقاتلون في يمين الجيش .. أمرهم
بالانتقال إلى يساره ..
وأمر من في الميسرة أن يذهبوا للميمنة ..
فلما ابتدأ القتال .. وأقبل الروم ..
فإذا كل سرية منهم ترى رايات جديدة .. ووجوهاً
جديدة ..
فاضطرب الروم .. وقالوا : قد جاءهم في الليل
مدد .. فرعبوا في القتال ..
فقتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة .. ولم يقتل من
المسلمين إلا اثنا عشر رجلاً ..
وانسحب خالد بالجيش .. آخر النهار من ساحة
القتال .. ثم واصل مسيره نحو المدينة ..
فلما أقبلوا إلى المدينة ..
لقيهم الصبيان يتراكضون إليهم .. ولقيتهم
النساء ..
فجعلوا يحثون التراب في وجوه الجيش .. ويقولون
:
يا فرار .. فررتم في سبيل الله ..
فلما سمع النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك ..
علم أنهم لم يكن أمامهم إلا ذلك ..
وأنهم فعلوا ما بوسعهم ..
فقال صلى
الله عليه وسلم مدافعاً عنهم :
ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار .. إن شاء الله عز
وجل " .
نعم انتهى الأمر .. وهم أبطال ماقصروا .. لكنهم
بشر والأمر كان فوق طاقتهم ..
إذن الصلاة على الميت الحاضر .. أحياناً انتهى
الأمر فلا فائدة من اللوم ..
كان هذا منهجه صلى
الله عليه وسلم دائماً ..
لما سمع الكفار برسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً
بجيشه إلى مكة فاتحاً .. دخلهم الرعب ..
فأرسل إليهم رسول الله من يقول لهم :
· من دخل داره وأغلق عليه بابه فهو آمن ..
· ومن دخل المسجد فهو آمن ..
· ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..
فبدأ الناس يفرون من بين يديه صلى الله عليه وسلم ..
فاجتمع بعض فرسان قريش .. وأرادوا أن يحاربوا
.. فأبى عليهم قومهم ..
فاجتمع نفر منهم في مكان يقال له الخندمة ..
اجتمع صفوان بن أمية .. وعكرمة بن أبي جهل ..
وسهيل بن عمرو ..
وجمعوا ناساً معهم بالخندمة ليقاتلوا ..
وكان حماس بن قيس ..
يعد سلاحاً قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ..
ويصلحه ..
فقالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى؟
قال : لمحمد وأصحابه ..!!
كانت امرأته تعلم بقوة المسلمين .. فقالت :
والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء!
قال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم .. يعين
ياسر بعضهم ويجيء بهم إليها خدماً ..
ثم قال مفتخراً :
إن يقبلوا اليوم فما لي علة هذا سلاح كامل وأله
وذو غرارين سريع السلة
ثم خرج من عندها .. إلى موقع
"الخندمة" .. حيث اجتمع أصحابه ..
فما هو إلا أن لقيهم المسلمون .. يتقدمهم سيف
الله خالد بن الوليد ..
فابتدأ القتال .. وصال الأبطال ..
فقتل في لحظة واحدة .. أكثر من اثني عشر أو
ثلاثة عشر .. من الكفار ..
فلما رأى حماس بن قيس ذلك ..
التفت إلى صفوان وعكرمة .. فإذا هما يفران إلى
بيوتهما ..
فانهزم معهم .. وذهب يعدو إلى بيته .. فدخله
سريعاً ..
وأخذ يصيح بامرأته فزعاً : أغلقي علي بابي .. فإنهم يقولون من دخل داره
وأغلق بابه فهو آمن ..!!
فقالت : فأين ما كنت تقول؟ أن تهزمهم ..
وتخدمني بعضهم ..!!
فقال :
إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالمؤتمة واستقبلتهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة
لهم نهيت خلفنا وهمهمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
صحيح .. لو رأت امرأته ما رأى من شدة القتال ..
ما نطقت في لومه كلمة ..
وفي موقف آخر ..
لما دخل النبي صلى
الله عليه وسلم .. مكة فاتحاً .. فقد كان يعلم عظمة البلد
الحرام .. فقاتل قتالاً يسيراً ..
ثم قال : إن الله حرم هذا البلد يوم خلق
السموات والأرض .. وإنما حلَّ لي ساعة من نهار " ..
فقيل له : يا رسول الله .. أنت تنهى عن القتل
.. وهذا خالد بن الوليد في كتيبته .. يقتل من لقيه من المشركين؟
فقال صلى
الله عليه وسلم : " قم يا فلان .. فأت خالد بن الوليد ..
فقل له : فليرفع يده من القتل " .
هذا الرجل يعلم أنهم الآن يعيشون حالة حرب ..
وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم
قريشاً بالبقاء في بيوتهم لئلا يقتلوا .. فمن كان في غير بيته استحق المقاتلة ..
ففهم من قول النبي صلى
الله عليه وسلم : يرفع يده من القتل .. أي يقتل كل من وقف
أمامه .. حتى يرفع يده بالسيف لأنه لا يجد من يقتل ..!!
فأتى الرجل خالداً فصاح به : يا خالد .. إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
يقول : اقتل من قدرت عليه!
فقتل خالد سبعين إنساناً ..
فأتي رجل النبي صلى
الله عليه وسلم .. قال : يا رسول الله .. هذا خالد يقتل ..
فعجب النبي صلى
الله عليه وسلم .. كيف يقتل وقد نهاه ..؟!
فأرسل إلى خالد ليأتيه .. فأتاه .. فقال صلى الله عليه وسلم :
" ألم أنهك عن القتل ؟ "
فعجب خالد وقال : يا رسول الله .. جاءني فلان
فأمرني أن أقتل من قدرت عليه ..
فأرسل النبي إلى ذاك الرجل .. فجاء ورأى خالداً
.. فقال له صلى الله عليه وسلم :
" ألم أقل يرفع يده من القتل؟ "
فأدرك الرجل خطأه .. لكن الأمر انتهى .. فقال :
يا رسول الله .. أردتَّ أمراً .. وأراد الله أمراً .. فكان أمرُ الله فوق أمرك ..
وما استطعتُ إلا الذي كان ..
فسكت عنه النبي وما ردَّ عليه شيئاً ..
من تأمل في مسيرة الحياة .. وجد هذا الأمر
ظاهراً ..
أحياناً يكون الشخص قد فعل أحسن ما يستطيع ..
ركبت مع أحد الشباب في سيارته .. فإذا قيادته
جيدة ..
وكنت أعلم أنه وقع له حادث تصادم قبل اسبوع ..
فسألته : ألاحظ أن قيادتك جيدة .. فلماذا صدمت
قبل أسبوع؟!
قال : كان لا بد أن أصدم !!
قلت عجباً!!
قال : نعم .. كان لا بد أن أصدم .. أتدري لماذا؟
قلت : لماذا؟!
قال :
أقبلت بسيارتي على جسر .. وكنت مسرعاً ..
فلما نزلت منه فإذا السيارات أمامي متوقفة
صفوفاً ..
لا أدري ما السبب .. حادث في الأمام .. أو نقطة
تفتيش .. لا أدري .. المهم أني تفاجأت بها ..
كان أمامي أربعة مسارات كلها مليئة بالسيارات
.. وكنت مخيراً بين أن أنحرف عنها كلها وأسقط من فوق الجسر .. أو أمسك فرامل بأقوى
ما أستطيع وعندها ستلعب بي السيارة في الطريق ..
أو الاختيار الثالث .. وهو أهونها ..
قلت : وما هو؟!
قال : أن أصدم إحدى السيارات الأربع الواقفة
أمامي ..
ضحكت .. وقلت .. هاه وماذا فعلت؟
قال : خففت سرعتي قدر استطاعتي .. واخترت أرخص
السيارات التي أمامي .. و .. و .. صدمتها ..
فكرت فيما قال .. فرأيت أنه لا يستحق اللوم
كثيراً .. وذلك أن الاختيارات التي كانت أمامه محدودة ..
يعني بعض المشاكل ليس لها حل .. شخص أبوه عصبي
.. نصحه بجميع الأساليب .. ما نفع .. ماذا يفعل ؟
لفتة
..
ضع
نفسك موضع الملوم وفكر من وجهة نظره .. ثم احكم عليه ..
39- تأكد من الخطأ قبل النصيحة ..
كان واضحاً من نبرة صوته لما اتصل بي .. أنه كن
غضباناً يكتم غيظه قدر المستطاع ..
ليست هذه هي النبرة التي تعودت عليها من فهد ..
شعرت أن عنده شيئاً ..
بدأ كلامه .. متحدثاً عن الفتن وتعرض الناس لها
..
ثم احتدت النبرة .. وجعل يكرر : أنت داعية ..
وطالب علم .. وأفعالك محسوبة عليك ..
قلت : أبا عبد الله ليتك تدخل في الموضوع
مباشرة ..
قال : المحاضرة لتي ألقيتها في .. وقلت ..
تعجبت .. قلت : متى كان ذلك؟
قال : قبل ثلاثة أسابيع ..
قلت : لم أذهب لتلك المنطقة منذ سنة ..
قال : بلى .. وتحدثت عن كذا ..
ثم تبين لي أن صاحبي .. بلغته إشاعة فصدقها ..
وبنى على أساسها مناصحته .. وموقفه .. وكلامه ..
صحيح أنني لا أزال أحبه .. لكن نظرتي إليه قصرت
.. لأنني اكتشفت أنه متسرع .. ومثل ما يقولون ' يطير في العجّة ' ..!!
كم هم أولئك الذين يبنون مواقفهم ونظراتهم على
إشاعات ..
قليل منهم من يأتيك مناصحاً .. ليكتشف بعدها
أنه كان يجري وراء إشاعة ..
وكثير منهم من تنطبع هذه الإشاعة في قلبه ..
ويكوّن على أساسه تصوره عنك .. وهي كذبة ..
أحياناً يشاع أن فلاناً فعل كذا وكذا ..
فلأجل أن تحتفظ بقدرك عنده .. تأكد من الخبر
قبل الكلام عنه ..
وهذا منهج النبي صلى
الله عليه وسلم ..
أتى رجل إلى النبي .. فنظر النبي إليه ..
فإذا رجل رث الهيئة .. مغبر الشعر .. فأراد صلى الله عليه وسلم أن ينصحه ليصلح من هيئته .. لكنه خشي أن يكون
الرجل فقيراً أصلاً .. ليس ذا مال ..
فقال له : هل لك من مال؟
قلت : نعم ..
قال : من أي المال ..؟
قال : من كل المال .. من الإبل .. والرقيق ..
والخيل .. والغنم ..
قال : فإذا آتاك الله مالاً .. فليُر عليك ..
ثم قال : تنتج إبل قومك صحاح آذانها .. فتعمد
إلى الموسى .. فتقطع آذانها ..
فتقول : هذه بحيرة .. وتشقها .. أو تشق جلودها
..
وتقول :هذه صرم .. فتحرمها عليك وعلى أهلك ..
قال : نعم ..
قال : فإن ما أعطاك الله لك حل .. موسى الله
أحد ..
وفي عام الوفود .. كان بعض الناس يأتي مسلماً
.. ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم .. وبعضهم يأتي كافراً .. ويسلم أو يعاهد ..
فبينما رسول الله مع أصحابه يوماً .. إذ جاء وفد الصّدِف .. وهم
بضعة عشر راكبا .. فأقبلوا إلى مجلس النبي صلى
الله عليه وسلم .. فجلسوا و لم يسلموا ..
فسألهم : " أمسلمون أنتم؟ "
قالوا : نعم .. قال : " فهلا سلمتم؟
" ..
فقاموا قياماً فقالوا : السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته ..
فقال : " وعليكم السلام .. اجلسوا "
.. فجلسوا ثم سألوه صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلوات ..
وفي عهد
عمر رضي الله عنه .. توسعت بلاد الإسلام ..
فعين
عمر سعد بن أبي وقاص أميراً على الكوفة ..
كان أهل
الكوفة حينذاك مشاغبين على ولاتهم ..
أرسل نفر
منهم رسالة إلى الخليفة عمر .. يشتكون إليه من سعد ..
وذكروا
عيوباً كثيرة .. حتى إنهم قالوا : ولا يحسن أن يصلي !!
فلما
قرأ عمر الكتاب .. لم يتسرع باتخاذ قرار .. ولا كتابة نصيحة ..
وإنما
أرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة معه كتاب إلى سعد ..
وأمره
أن يسير مع سعد ويسأل الناس عنه ..
جعل
محمد بن مسلمة يصلي مع سعد في المساجد .. ويسأل الناس عن سعد ..
ولم يدع
مسجد إلا سأل عنه .. ولا يذكرون عن سعد إلا معروفاً ..
حتى دخلا
مسجداً لبني عبس ..
فقام
محمد بن مسلمة .. وسأل الناس عن أميرهم سعد؟؟
فأثنوا
عليه خيراً ..
فقال محمد
: أنشدكم بالله .. هل تعلمون منه غير ذلك؟
قالوا :
لا نعلم إلا خيراً ..
فكرر
عليهم السؤال ..
عندها
قام رجل في آخر المسجد .. اسمه أسامة بن قتادة .. فقال :
أما إذ
نشدتنا بالله .. فاسمع :
إن سعداً
كان لا يسير بالسوية .. ولا يعدل في القضية ..
فعجب
سعد وقال : أنا كذلك؟
قال
الرجل نعم ..
فقال
سعد : أما والله لأدعون بثلاث :
اللهم
إن كان عبدك هذا كاذباً .. وقد قام رياء وسمعة ..
اللهم
فـ :
·
أطل عمره ..
·
وأطل فقره ..
·
وعرضه للفتن ..
ثم خرج
سعد من المسجد ..
ومضى
إلى المدينة ومات بعدها بسنوات ..
أما ذلك
الرجل فلا زالت دعوة سعد تلاحقه ..
حتى كبر
سنه .. ورق عظمه .. واحدودب ظهره ..
وطال
عمره حتى مل من حياته .. واشتد فقره ..
فكان يجلس
وسط الطريق يسأل الناس .. وقد سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر .. فإذا مرت به
النساء مد يده يغمزهن ويتعرض لهن ..
فكان
الناس يصيحون به .. ويسبونه .. فيقول :
وماذا
أفعل !! شيخ كبير مفتون .. أصابتني دعوة الرجل الصالح سعد بن أبي وقاص ..
حديث
..
بئس
مطية الرجل زعموا .. وكفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع ..