نواصل معكم زوارنا الكرام نشر كتاب
للدكتور محمد العريفي حفظه الله
والذي تحدث فيه عن
مهارات وفنون التعامل مع الناس
في ظل السيرة النبوية
وقضايا اجتماعية هامة
الجزء التاسع عشر :
69- الشجاعة
..
قال لي بعدما
خرجنا من الوليمة : تصدق كنت أعرف اسم الصحابي الذي تكلمتم عنه ..
قلت : عجباً
!! ليش ما ذكرته .. وقد رأيتنا متحيرين؟!
خفض رأسه وقال
: خجلت أتكلم ..
قلت في نفسي :
تباً للجُبن ..
وآخر كان يدرس
في السنة الأخيرة من الثانوية ..
التقيت به
يوماً فقال لي : قبل يومين دخلت الفصل .. فرأيت الطلاب واجمين .. والمدرس جالس على
كرسيه .. بدون شرح ..
جلست وسألت
الذي بجانبي : ما الخبر؟!
قال : زميلنا
عساف مات البارحة ..
كان في الفصل
عدد من أصدقاء عساف .. تاركون للصلاة .. والغون في عدد من المحرمات ..
كان تأثير
الخبر عليهم واضحاً .. حدثتني نفسي أن ألقي عليهم كلمة وعظية أحثهم فيها على
الصلاة .. وبر الوالدين .. وإصلاح النفس ..
قلت له :
ممتاز .. هل فعلت؟
قال : بصراحة
.. لا .. خجلت ..
سكت .. وكظمت
غيظي وأنا أقول في نفسي : تباً للـجُبْن؟!!
امرأة تسألها
: لماذا لم تصارحي زوجك بالموضوع؟
فتقول : أستحي!!
خفت يزعل!! خفت يهجرني .. خفت ..
شاب تسأله :
لـمَ لم تخبر أباك بالمشكلة قبل أن تتفاقم؟!
فيقول : أخاف
.. ما أتجرأ ..
أو ربما رفع
أحدهم ضغطك بقوله : أستحي أبتسم .. أخجل أثني عليه ..
أخاف يقولون
يجامل .. يستخف دمه ..
أسمع هذه
التصرفات كثيراً .. فأتمنى أن أصرخ فيهم : يا جبناء .. إلى متى؟!
الجبان لا
يبني مجداً .. هو صفر على الشمال دائماً ..
إن حضر مجلساً
تلحّف بـجُـبْنه ولم يشارك برأي .. أو ينطق بكلمة ..
وإن ذكروا
نكتة ضحكوا وعلّقوا .. ولم يستطع أن يزيد على أن خفض رأسه وتبسم ..
وإن حضر
مجلساً .. لم ينتبه أحد لوجوده ..
والأعظم من
ذلك إن كان أباً .. أو زوجاً .. أو مديراً ..
أو حتى زوجة
أو أماً ..
الناس يكرهون
الجبان .. وليس له قدر ..
فعود نفسك على
الشجاعة في الإلقاء ..
الشجاعة في
النصح ..
الشجاعة في
تطبيق مهارات التعامل مع الناس ..
وجهة نظر ..
عوّد نفسك ودربها .. وإنما النصر : صبر ساعة ..
70- الثبات
على المبادئ ..
كلما كانت
شخصية الشخص أقوى .. وثباته على مبادئه أشد .. كان أهم في الحياة ..
أحياناً يكون
من مبادئك عدم أخذ الرشوة .. مهما ملَّحوا أسماءها .. بخشيش .. هدية .. عمولة ..
زوجة يكون من
مبادئها .. عدم الكذب على زوجها .. مهما زينوه لها .. تمشية حال .. كذب أبيض ..
من المبادئ ..
عدم تكوين علاقات محرمة مع الجنس الآخر .. عدم شرب الخمر ..
شخص لا يدخن
.. جلس مع أصحابه .. ليثبت على مبادئه ..
الشخص الثابت
على مبادئه وإن انتقده أصحابه أحياناً .. واتهموه بعدم المرونة .. إلا أن مشاعرهم
الداخلية تؤمن أنها أمام بطل ..
فتجد أن
أكثرهم يلجأ إليه ويشعر بأهميته أكثر من غيره ..
وليس هذا
خاصاً بأحد الجنسين دون الآخر .. بل الرجال والنساء في ذلك سواء ..
فاثبت على
مبادئك ولا تقدم تنازلات .. عندها سيرضخ الناس لها ..
لما ظهر
الإسلام في الناس جعلت لقبائل تفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فجاء وفد
قبيلة ثقيف وكانوا بضعة عشر رجلاً ..
فلما قدموا
أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ليسمعوا القرآن ..
فسألوه : عن
الربا والزنا والخمر؟
فحرم عليهم
ذلك كله ..
وكان لهم صنم
ورثوا عبادته وتعظيمه عن آبائهم .. اسمه " الربة " .. ويصفونه بـ "
الطاغية " .. وينسجون حوله القصص والحكايات للدلالة على قوته ..
فسألوه عن
"الربة" ما هو صانع بها؟
قال : اهدموها
..
ففزعوا ..
وقالوا : هيهات .. لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها .. قتلت أهلها !!
وكان عمر
حاضراً .. فعجب من خوفهم من هدم صنم ..
فقال : ويحكم
يا معشر ثقيف!! ما أجهلكم!! إنما الربة حجر ..
فغضبوا ..
وقالوا : إنا لم نأتك يا ابن الخطاب ..
فسكت عمر ..
فقالوا :
نشترط أن تدع لنا الطاغية ثلاث سنين .. ثم تهدمه بعدها إن شئت ..
فرأى النبي
صلى الله عليه وسلم أنهم يساومونه على أمر في العقيدة!! هو أصل من أصول الإسلام ..
فما دام أنهم سيسلمون .. فما الداعي للتعلق بالصنم .. !!
فقال صلى الله
عليه وسلم : لا ..
قالوا : فدعه
سنتين .. ثم اهدمه ..
قال : لا ..
قالوا : فدعه
سنة واحدة ..
قال : لا ..
قالوا : فدعه
شهراً واحداً !!
قال : لا ..
فلما رأوا أنه
لم يستجب لهم في ذلك .. فالمسألة شرك وإيمان .. لا مجال فيها للمفاوضة!!
قالوا : يا
رسول الله .. فتولَّ أنت هدمها .. أما نحن فإنا لن نهدمها أبداً ..
فقال صلى الله
عليه وسلم : سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها ..
فقالوا :
والصلاة .. لا نريد أن نصلي .. فإننا نأنف أن تعلو إست الرجل رأسه!!
فقال صلى الله
عليه وسلم : أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك ..
وأما الصلاة
.. فلا خير في دين لا صلاة فيه ..!!
فقالوا :
سنؤتيكها .. وإن كانت دناءة ..
فكاتبوه على
ذلك ..
وذهبوا إلى
قومهم .. ودعوهم إلى الإسلام .. فأسلموا على مضض ..
ثم قدم عليهم
رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدم الصنم ..
فيهم خالد بن
الوليد .. والمغيرة بن شعبة الثقفي ..
فتوجه الصحابة
إلى الصنم ..
ففزعت ثقيف ..
وخرج الرجال والنساء والصبيان ..
وجعلوا يرقبون
الصنم .. وقد وقع في قلوبهم أنه لن ينهدم .. وأن الصنم سيمنع نفسه ..
فقام المغيرة
بن شعبة .. فأخذ الفأس .. والتفت إلى الصحابة الذين معه وقال :
والله
لأضحكنكم من ثقيف!!
ثم اقبل إلى
الصنم .. فضرب الصنم بالفأس .. ثم سقط وجعل يرفس برجله ..
فصاحت ثقيف ..
وارتجوا .. وفرحوا .. وقالوا : أبعد الله المغيرة .. قتلته الربة ..
ثم التفتوا
إلى بقية الصحابة وقالوا :
من شاء منكم
فليقترب ..
عندها قام
المغيرة ضاحكاً .. وقال :
ويحكم يا معشر
ثقيف .. إنما هي لكاع -أي مزحة- .. وهذا صنم .. حجارة ومدر .. فاقبلوا عافية الله
واعبدوه ..
ثم أقبل يهدم
الصنم .. والناس معه .. فما زالوا يهدمونها حجراً حجراً .. حتى سووها بالارض ..
وحْـيْ ..
"من طلب رضا الناس بسخط الله سخط الله
عليه وأسخط عليه الناس، ومن طلب رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس"
71- إغراءات ..
قرأت أن شاباً
مسلماً في بريطانيا .. اطلع على إعلان لإحدى الشركات حول حاجتها إلى موظفين يعملون
في الحراسات ..
أقبل إلى
اللجنة المختصة بمقابلة المتقدمين .. فإذا جمع كبير من الشباب .. ما بين مسلمين
وغير مسلمين ..
كلما خرج شخص
من المقابلة سأله الواقفون .. عن ماذا سألوك؟ وبماذا أجبت؟
كان من أهم
أسئلتهم : كم كأساً تشرب من الخمر يومياً؟!
جاء دور
صاحبنا .. فدخل .. وتتابعت عليه الأسئلة .. حتى سألوه : كم تشرب من الخمر؟
فقال : أنا لا
أشرب الخمر ..
قالوا : لماذا
!! هل أنت مريض؟!
قال : لا ..
لكني مسلم .. والخمر حرام ..
قالوا : يعني
لا تشربها حتى في عطلة آخر الأسبوع؟!!
قال : لا ..
فنظر بعضهم
إلى بعض متعجبين ..
فلما ظهرت
النتائج .. فإذا اسمه في أوائل المقبولين ..
بدأ عمله معهم
.. ومضى عليه أشهر ..
وفي يوم لقي
أحد المسئولين في تلك المقابلة وسأله : لماذا كنتم تكررون سؤالي عن الخمر؟!
فقال : لأن
الوظيفة المطلوبة هي في الحراسات .. وكلما توظف فيها شاب .. فوجئنا به يشرب الخمر
ويسكر .. فيضيع مكانه .. ويهجم على الشركة من يسرقها .. فلما وجدناك لا تشرب الخمر
عرفنا أننا وقعنا على مبتغانا .. فوظفناك هنا!!
ما أجمل
الثبات على المبادئ وإن كثرت الإغراءات ..
المشكلة أننا
نعيش في مجتمعات قلَّ أن تجد فيها من يتمسك بمبادئه .. يعيش من أجلها ويموت من
أجلها .. ويثبت على الالتزام بها .. وإن كثرت الإغراءات ..
إذا مشيت على
الصحيح .. والتزمت بالصراط المستقيم .. فأصحاب المبادئ الأخرى لن يتركوك ..
فعدم قبولك
للرشوة يغضب زملاءك المرتشين ..
وامتناعك عن
الزنا .. يغضب الفاعلين!!
ذُكر أن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه كان يعِسّ ليلة من الليالي ..
يراقب وينظر
..
فمر بأحد
البيوت في ظلمة الليل .. فسمع فيه رجال سكارى .. فكره أن يطرق عليهم الباب ليلاً
.. وخشي أن يكون ظنه خاطئاً .. وأراد أن يتثبت من الأمر ..
فتناول كسرة
فحم من الأرض .. ووضع بها علامة على الباب .. ومضى ..
سمع صاحب
الدار صوتاً عن الباب .. فخرج .. فرأى العلامة .. ورأى ظهر عمر مولياً .. ففهم
القصة ..
فكان الأصل أن
يمسح العلامة وينتهي الأمر .. لكن الرجل لم يفعل ذلك ..!!
وإنما أخذ
كسرة الفحم وأقبل إلى بيوت جيرانه .. وجعل يرسم على أبوابها علامات!!
وكأنه يريد أن
ينزل الناس إلى مستواه .. ويكونون مثله .. ولا يريد أن يرتفع إلى مستواهم ..!!
وفي المثل :
ودت الزانية لو أن النساء كلهن زنين ..
من التجارب في
حياتنا .. أن تجد زوجة كثيرة الكذب على زوجها .. تربت على ذلك .. وتعودت عليه ..
فإذا رأت من تنكر عليها .. وتنصحها بالصدق .. حاولت أن تجرها إلى مستنقعها ..
فكررت عليها : الرجال ما يصلح معهم إلا كذا .. ما تمشي أمورك معه إلا بالكذب ..
فلا تزال بها
حتى تتنازل عن مبادئها وتتغير .. أو ربما تثبت .. ولعلها ..
وقل مثل ذلك
في مسئول حسن الخلق مع موظفيه .. ويرى أن هذا مما يفيد العمل .. ويزرث الراحة في
قلوبهم .. ويزيد الإنتاج ..
فيلقاه مسئول
سيء الخلق .. مبغوض من قِبَل موظفيه .. فيحسده – ربما – أو يريد أن يقنعه بأسلوب
آخر في التعامل .. فيقول له : لا تفعل كذا .. وافعل كذا .. ولا تبتسم .. ولا ..
أو صاحب بقالة
لا يبيع السجائر .. فيحاول أن يقنعه ..
فكن بطلاً
واثبت على مبادئك .. وقل بأعلى صوتك : لا .. مهما أغروك ..
وقديماً حاول
الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنازل عن مبادئه .. فقال
الله له : (ودوا لو تُدْهن فيدهنون) ..
يعني أنهم لا
مبادئ عندهم أصلاً ليحافظوا عليها .. وبالتالي لا مانع عندهم من التنازل عن
مبادئهم .. فانتبه أن يغروك بترك مبادئك ..
قال تعالى :
" فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن
فيدهنون "