بحمد من الله ننشر اليوم الجزء الثالث والاخير من
الموضوع الهام والخاص بالمرأة بعنوان "مكانة المرأة وقيمتها في
الاسلام" والذي يتحدث عن اوجه تمايز المرأة مع الرجل:
3- أوجه تمايز المرأة مع الرجل
اقتضت حكمة
الله تعالى في خلقه أن تقوم الحياة البشرية على أساسٍ من التخصص في الوظائف
الطبيعية اللازمة للحياة، ومن هنا خلق الله تعالى كل شيء زوجين قال تعالى: (وَمِن
كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات الآية 49.
فقد اختص الله الرجال بملكاتٍ حرم منها النساء واختصت النساء بملكاتٍ يفقدها الرجال،
وعلى أساس هذه الفطرة لابد أن يكون بين الرجل والمرأة بعض التمايز والاختلاف،
وسنعطي نماذج لهذا التمايز والتخصص فيما يلي :
1-3) قوامة الرجل أبرز صور التمايز :
إن من طبيعة
الحياة على هذه الدنيا ألا تسير الأمور بلا ضابط ولا نظام، فلابدّ في كل شأنٍ من
شئونها أن يكون فيه قائد ومسئول وهذا نراه في كثير من العوالم مثل عالم الطير
والنمل وغير ذلك، ومن هنا كان لابد للأسرة التي هي نواة المجتمع أن يكون عليها
قيّم يرعى شئونها، ويُقوّم عوجها، ويرعى مصالحها، وقد أعطى الإسلام الرجل هذا الحق
وجعله موطن تكليف وليس علامة تشريف وذلك لسببين رئيسيين:
الأوّل: جعل
الإسلام القوامة في عنق الرجل لما له من صفات الرياسة والقيادة، فهو أكثر رويةً
وأعمق إدراكاً وتأملا وأرشد عقلا وفهماً وأقوى جسماً وأكثر جلَداً، وأما المرأة
فيغلب عليها العاطفة وقوة الانفعال وسرعة التأثر، وهذا بالطبع ليس نقصًا في المرأة
وإنما هو جوهر وظيفتها ومعدن رسالتها وهي الأمومة والحضانة ولا تتواءم وظائف
القوامة مع هذه الطبيعة الأنثوية.
ثانيًا: أن
الرجل هو المكلف بالإنفاق على الأسرة ولا يكون من العدالة أن يكلف الرجل بالإنفاق
على الأسرة دون أن يكون له حق القوامة والإشراف عليها، يقول تعالى: (الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء الآية 34، ومع هذا فإن هذه القوامة
لا تنتقص شيئًا من شخصية المرأة وأهليتها المدنية فيقوم الأمر بين الرجل والمرأة
على التشاور والتعاون والطاعة في المعروف والمعقول.
2-3) تمايز الرجل عن المرأة في الميراث :
جعل الإسلام
نصيب الذكور في الميراث أكبر من نصيب نظائرهم من الإناث في معظم الأحوال، فللذكر
مثل حظّ الأنثيين من الأولاد والبنات والأخوة والأخوات، وللزوجة من زوجها المتوفّى
نصف نصيب الزوج من تركة زوجته المتوفاة. والأساس الذي بُني عليه هذا التمايز هو
الأعباء الاقتصادية للرجل والمرأة، فالرجل ينفق على الأسرة بما فيها من زوجة
وأولاد، وقد ينفق على أبويه، وقد يضاف إلى ذلك عددُُ من الأخوة والأخوات إذا لم
يكن لهم عائلُُ غيره، وربما اتسعت دائرة الإنفاق لتشمل الأقارب والأرحام، أما
المرأة فلا يجب عليها شيء من ذلك إلا ما كان تفضلا وكرماً منها، وهى في نفس الوقت
ليست مكلفة حتى بالإنفاق على نفسها، فهي مكفولة من أبيها بنتاً ومن أخيها أختاً
ومن ابنها أماً ومن زوجها زوجةً فهي دائماً معالة من الرجل ومسؤولةُُ منه، فكان من
عدل الله وحكمته ورحمته أن جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وانظر إلى دقة وجمال
التعبير القرآني : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ولم يقل :
للأنثى نصف الرجل حيث جعل الإسلام المرأة هي الضابط والمعيار فهي تأخذ حظاً والرجل
يأخذ حظّين وذلك مراعاة للواجبات المنوطة به كقيّم على الأسرة مع إعفائها منها،
ومن عظيم حكمة الله وعدله في خلقه أن ترى المرأة تتساوى مع الرجل في نصيبه في بعض
حالات الميراث، فيأخذ الأب والأم نصيباً واحداً إذا وجد معهما فرع وارث، وكذلك عند
وجود الاخوة والأخوات لأم فإنهما يشتركان في الثلث يقسم بينهما بالتساوي، وهناك
إشارة أخرى تؤكد اهتمام الإسلام بالمرأة في قضية الميراث وهي أن الله جعل المرأة
في غالب أحوالها من أصحاب الفروض فهي صاحبة النصف إن كانت بنتا منفردة أو أختا
منفردة أو أختا لأب مع عدم وجود الشقيقة والثلثان للبنتين فأكثر عند عدم
وجود الفرع الوارث وكذا للأختين عند الانفراد وتحصل على الربع إذا لم يكن الزوج
منجبًا أو الثمن في حالة وجود الفرع الوارث وتحصل على السدس إن كانت أمّا أو
الثلث في عدم وجود الفرع الوارث أو اثنين فأكثر من الاخوة والإسلام حريصُُ
من خلال هذا التشريع ألا تُعرّض حقوق الأنثى للضياع أو التلاعب بها، ألا ما أعظم
الإسلام في تشريعه الحكيم.
3-3) من أوجه التمايز جعل الطلاق بيد الرجل :
لقد جعل
الإسلام الطلاق من حق الرجل وهو يمارسه من خلال الرضا بذلك من زوجته أثناء إبرام
عقد الزواج ولو اشترطت المرأة أن تنوب عن الزوج في طلاق نفسها متى شاءت حين
إجراء العقد ووافق الزوج فالإسلام لا يمنع ذلك بل يوجب الوفاء بهذا الشرط.
لكن لا يفوتنا
في هذا المقام أن نوضح أن الرجل هو ربّ الأسرة والمسئول عنها وهو المكلّف بنفقات
الزواج من دفع الصداق وإعداد البيت وما بعد ذلك من نفقات، و هو الذي جاهد حتى قام
بناء الأسرة على كاهله إنّ من كان هذا حاله في صعوبة ما لاقاه في إنجاز هذا الزواج
يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يصدر منه أي تصرّفٍ يعرض هذه الأسرة للانهيار والتفكك
فيتحمل بذلك مسئوليات جديدة وخسائر أخرى، والرجل بهذا أبصر بعواقب الأمور وأكثر
تفكيرا وتريّثا فيما يصير إليه أمر أسرته وهو بذلك أولى أن تكون العقدة بيده.
والمرأة في ذات
الوقت تغلب عليها العواطف الجياشة والانفعالات السريعة والتي تجعلها تصدر الأحكام
بلا تؤدة ولا رويّة وفى نفس الوقت لا يقع عليها أي غُرْمٍ مالي فلا يصح مع هذه
الأوضاع وهذه الحالات النفسية أن يوضع في يدها حقُُّ خطير كحق الطلاق وإلا فإنها
ستُودي بحياة الأسرة لأضعف نزوةٍ عابرة وأقلّ انفعالٍ طارئ. هذا إلى جانب أن
الإسلام قد أباح الطلاق عن تراضي الزوجين في صورة الخلع بل يبيح الطلاق لها إذا
وكّلها الزوج في ذلك كما قدّمنا.
ومن خلال ذلك
العرض الموجز تبدو الحكمة الإلهية في جعل الطلاق بيد الرجل وموافقة هذا الحكم
لفطرة الرجل والمرأة وسبحان من يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
4-3) من أوجه
التمايز إعطاء الرجل الحق في تعدد الزوجات :
ربما يسأل
سائل : هل الأصل في الإسلام أن يعدد الرجل الزوجات؟ أم أن الأصل هو الواحدة؟
والذي يبدو لنا من منطوق الآية الكريمة أن الأصل إباحة ما طاب من النساء سواء كان
ذلك واحدةُُ أو أكثر بشرط العدل إذا زاد عن واحدة فإن خيف من الظلم وجب الاكتفاء
بواحدة، ولو كانت وحدة الزوجة هي الأصل والتعدد لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة لما
جاءت الآية بهذا النسق الواضح. إن الإسلام يبيح للرجل أن يكون في عصمته أكثر من
زوجةٍ واحدةٍ على ألا يتجاوز العدد أربع زوجات وفى نفس الوقت أن يكون لديه القدرة
المادية والجنسية وأن يكون قادرًا على العدل بينهن في جميع الأمور التي يستطاع
العدل فيها كالمأكل والمشرب والمسكن والملبس والمبيت، وإلا كان عليه الاقتصار على
زوجةٍ واحدةٍ قال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ في
الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ
وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) النساء الآية 3.
ومن السنّة أن
عبد الله بن عمر قال : ‘أسلم غيْلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية
فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا‘ رواه أحمد
والترمذي وابن ماجه، وعن نوفل بن معاوية قال : أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "فارق واحدة وأمسك أربعا"
رواه الشافعي والبيهقى. وقد وقع الإجماع على ذلك من الصحابة والتابعين وجميع
فقهاء المسلمين في عصور الإسلام.
والإسلام إذ
يبيح للرجل هذا التعدد يفسح لنا المجال لنبحث عن الحكم والأسباب التي تقتضي هذا
العدد ومما يسهل إدراكه ومنها ما يأتي:
أ) عدد النساء اكثر من عدد الرجال
دلّت
الإحصاءات التي أجريت في بعض بلاد العالم على أن عدد النساء يفوق عدد الرجال بل
ربما كان عدد النساء ضعف عدد الرجال كما في بعض دول شمال أوروبا، ففي الكتاب
السنوي للأمم المتحدة عن تعداد السكان أثبت الإحصاء أن عدد النساء يزيد على عدد
الرجال بنحو مليونين في أمريكا، ونحو 3 ملايين في ألمانيا، وفوق ذلك فإن الرجل لا
يكون صالحًا للزواج إلا إذا كان قادرًا على القيام بنفقات زوجته وأسرته ويظل
كثيرُُ من الرجال عاجزين عن الزواج، أما النساء فإن كل واحدةٍ منهن صالحةُُ للزواج
لمجرد وصولها سن البلوغ وهكذا تقل نسبة القادرين على الزواج من الرجال عن نسبة
الإناث وهكذا يصبح التعدد أمرًا واجبًا بهذا الاعتبار.
ب) الشهوة الجنسية القوية
ربما كان هناك
من الرجال من لديه شهوةُُ جنسيّةُ ُقوية تجعله لا يكتفي بزوجةٍ واحدةٍ لكثرة
العوارض التي تعرض للزوجة الواحدة كفترة الحيض والولادة وغير ذلك، ثم إن المرأة
تصل لسن اليأس قبل الرجل، إذ أنها بمجرد أن تصل إلى 50 سنة تعتبر في اجازةٍ دائمةٍ
من الوظيفة الجنسية المتعلقة بالإنجاب، أمّا الرجل فتستمر صلاحيته كذلك إلى ما شاء
الله.
ج) اسباب خاصة بالمرأة
هناك
أسبابُُ كثيرة خاّصةُُ بالمرأة كأن تكون عقيمًا فلا يتحقق بذلك أهم غرض من أغراض الزواج
أو قد تصاب بمرض جسمي أو عصبي أو عاهة تصبح بعدها غير صالحةٍ للحياة الزوجية في
أخصّ شئونها، وفى مثل هذه الحالات يكون التعدد ضروري لضمان الاستقرار
العائلي إلى غير ذلك من أسباب التعدد.
والإسلام لم
يعط المرأة حق التعدد لأن ذلك يصادم فطرتها وطبيعتها التي تأبى أن ينكشف عليها
أكثر من رجلٍ واحدٍ بالإضافة إلى أنها لا تحتاج إلى التعدد لأي سبب من الأسباب.
5-3) التمايز بين الرجل والمرأة في الشهادة :
ذكر ربنا في
آية الدّيْن في سورة البقرة شهادة الرجل وشهادة المرأة وفرّق بينهما وجعل شهادة
امرأتين تعدل شهادة رجلٍ واحد، وذلك في قوله تعالى :(وَاسْتَشْهِدُواْ
شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا
فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة الآية 282، وهذه الآية تحدد
وتضبط نصاب الشهادة في الديون المدنية والتجارية وغيرها مما لا تختص به النساء.
وعند النظر
الثاقب لهذه القضية يتضح أن جعل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجلٍ واحدٍ ليس لنقصٍ
في إنسانية المرأة أو كرامتها، ولكن لأنها لا تحضر غالبا عقود المعاملات أو الأمور
التي تتعلق بالأموال وإنما يشغلها في المقام الأول مملكتها وهو بيت الزوجية
والأولاد. فهي قليلة الخبرة في هذا المجال مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه
وملابساته ومن هنا لا يكون تذكّرها للتفصيلات اللازمة في الشهادة صعبًا، فالمرأة
عادةً مشغولةُُ ببيتها إن كانت زوجة وبطفلها إن كانت أمّا وبالتفكير في الزواج إن
كانت أيّما ولذا أمر الله بالاستيثاق في أمر الديون والمعاملات، ولذا احتاجت إلى
امرأة أخرى.
رابطي الجزئين
السابقين : الجزء الاول الجزء الثاني