random
مقالات عشوائية :

مكانة المرأة وقيمتها في الإسلام( 1/3)

الصفحة الرئيسية
مكانة المرأة وقيمتها في الإسلام



     اختلفت نظرة المجتمعات القديمة إلى المرأة واتفقت على ظلم المرأة وانتقاصها وتضييع حقوقها والتنكر لآدميتها، والسبب في ذلك هو البعد عن المنهج الإلهي الذي يضع كل شيءٍ في موضعه الصحيح. وعندما جاءت الديانة الإسلامية انصفت المرأة وأعطتها ما سلب منها في كل الميادين، وسننشر بحول الله هذا الموضوع الهام على ثلاثة أجزاء :

-الجزء الأول : مكانة المرأة

-الجزء الثاني : أوجه المساواة بين الرجل

-الجزء الثالث : أوجه التمايز مع الرجل

 

1- مكانة المرأة

   خلق الله عزّ وجلّ المخلوقات من ذكر وأنثى وجعل لكل نوع طبيعته الخاصة به والملائمة له قال تعالى : (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء.

   ولمّا كانت طبيعة الأنثى غير طبيعة الذكر فقد شرع الله تعالى لها من الأحكام ما يساعدها على أداء وظيفتها في الحياة، وكفل لها الحقوق عند الرجل، وكرّمها في جميع مراحل حياتها بنتاً وزوجةً وأماً، وبوأها مكانة عالية على العكس مما كانت عليه في جاهليتها الأولى.

 

1-1) مكانة المرأة في الإسلام وهي أمّا :

   من أعظم الدلائل التي تبرهن على عظيم اهتمام الإسلام بالمرأة واحتفائه بها تركيزه على البرّ بالأم والوصية بها وتحريم عقوقها ،فلا منزلة في الإسلام أعظم من منزلة الوالدين لاسيما الأم قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الاِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) لقمان الآية 14، ويتضح ذلك جلياً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم مجيبًا على سؤال السائل من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال : "أمّك" قال : ثم من؟ قال : "أمّك" قال : ثم من ؟ قال : "أمّك" قال : ثم من؟ قال : "أبوك" رواه البخاري.

   وقد أعطى الإسلام للأم النصيب الأوفى والحظ الأوفر في التكريم والرعاية والإحسان، ففي الحديث : "إن الله حرم عليكم : عقوق الأمهات ومنع وهات ووأد البنات، وكره لكم : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" رواه البخاري.

   حتى ولو كانت الأمّ مشركةً فالإسلام يأمر بصلتها والبر بها، فقد استفتت أسماء بنت أبى بكرٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلةً يا رسول الله إن أمي قدمت علىّ وهي راغبةُ أفأصل أمي؟ قال : "نعم صلي أمك" رواه البخاري.

   فالإسلام يراعي ما بذلته الأم في حملها وولادتها وتربيتها وما تحمّلت من المتاعب في سبيل ذلك ولذلك أكد برّها وإحسان عشرتها وتوقيرها وخفض الجناح لها وطاعتها في غير معصية والتماس رضاها في كل أمر، بل وجعل الإسلام برّها ضرباً من ضروب الجهاد في سبيل الله، فقد جاء رجلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال : "هل لك من أمٍّ ؟" قال : نعم  قال : "فالزمها فإنّ الجنّة عند رجليها" رواه النسائي وابن ماجه والحاكم.

   وفى سبيل إعلاء الإسلام لقيمة الأمومة فإنّه جعل الحضانة من حقها فإنها هي التي تتولى الإرضاع، ولديها من الملكات الفطرية ما تستطيع به حسن التربية والتوجيه للأطفال في سنّ النشأة الأولى. ولقوة علاقة الأم بأبنائها جعل الله تعالى ميراثها في أصحاب الفروض، فلربّما كان ابنها هو سبيل الإنفاق عليها في حياته قال تعالى : (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) النساء آية 11.

 

2-1) مكانة المرأة في الإسلام وهى بنتا :

   كان العرب في جاهليتهم يتبرّمون بالأنثى ويعدّون مجيئها من المصائب ويقومون بدفنها حيةً خشية العار ، فجاء الإسلام بتحريم وأدها وبذلك منح البنت حق الحياة وأنكر أشدّ الإنكار على أصحاب هذا الفعل، ولم يقف الأمر عند هذا، بل رغّب في الاهتمام بالبنات وحسن تربيتهن وتعليمهن وجعل ذلك سـبيلا لدخـول الجنة، ففي الحديث من حديث أنس أنّ رسـول الله صـلى الله عليه وسـلم قال : "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا وضمّ أصابعه" أخرجه مسلم. وروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه إلا أدخلتاه الجنة" رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام : "من ابتلى من هذه البنات بشيء كنّ له سترا من النار" رواه البخاري ومسلم.

  وهذا كلّه تأكيدُ على الاهتمام بالمرأة منذ نعومة أظفارها، خاصةً وأنّ النّاس كانوا حديثي عهد بجاهليةٍ وكفرٍ، فجاء الإسلام وأصلح هذا الوضع وأعلى من قيمة المرأة ورغّب في إكرامها والإحسان إليها وحسن تربيتها فلربّما تكون الأنثى خيرًا من عشرة أولاد. ولما كان الأب في الجاهلية يرغم ابنته على التزوّج بمن يريد، ويقسرها على ذلك قسراً جاء الإسلام ومنح البنت حق اختيار شريك حياتها ورفيق دربها، فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : جاءت فتاةُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : "إن أبي زوّجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته (قِلّته) قال : فجعل الأمر إليها فقالت : أجزْت ما صنع أبي ولكن أردت أن أُعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء" رواه ابن ماجه. وقال عليه الصلاة والسلام : "الثيّب أحقّ بنفسها من وليّها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها" رواه الجماعة إلا البخاري، وفي رواية : "والبكر يستأمرها أبوها".

  فأين حضارة اليونان والرومان وغيرها من الحضارات من هذه المكانة السامية التي منحها الإسلام للمرأة، في الوقت الذي كانوا يبيعون فيه المرأة بيع الرقيق، فالإسلام يوجب على الأب أو ولي المرأة إذا كانت ثيبًا أن تعلن عن رضاها بمن أراد زواجها بصريح العبارة، وإن كانت بكراً فالسكوت عندها علامة الرضا والقبول ولو رفضت فليس للولي إكراهها على رجل لا تريد الاقتران به، وفى هذا تقرير لإرادة المرأة وحريتها.

  فقد كرم الإسلام المرأة بنتا حينما جعل سلطان الأب عليها هو سلطان التأديب والتهذيب والتربية والرعاية والإنفاق، فهي في ذلك كإخوتها الذكور سواءً بسواء، ولم يجعل الإسلام للأب سلطة القهر أو البيع أو الإجبار على زوج تكرهه، وحتى إذا أراد منعها من زوجٍ ترغب فيه، فالإسلام ينهاه عن ذلك قال تعالى : (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا َتعْلَمُونَ) البقرة الاية 232. وبهذا لا يجوز أن يمنعها وليّها أيًّا كان أباً أو أخاً أو غيرهما من حق الزواج ابتداءً أو الرجوع إلى مطلّقها إذا رغبت في ذلك.

  وقد جعل ربنا إكرام البنات وحسن صحبتهن سنّة ورثناها عن خير الآباء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد رزقه الله بأربع بنات فكان لهنّ خير أبٍ وخير مربٍّ وخير مؤدِبٍ وقد علم الآباء كيف يكون لبناتهنّ في قلوبهن المكان العميق والحب الكبير، فكان يقول صلى الله عليه وسلم عن فاطمة ابنته : "فاطمة قطعةُُ منّى" أو "فاطمة بضعةُُ منّى فمن أغضبها أغضبني" رواه البخاري.

  وبهذه التشريعات السامية والنصوص القطعية المؤكّدة لحق المرأة بنتا، لم تعد ولادتها طالع نحسٍ يتشاءم منه، بل نعمةُ تشكر، ورحمةُ ترتجى وتؤمّل لما جعل الله في تربيتها من فضل وجزيل مثوبته.

 

3-1) مكانة في الإسلام وهى زوجة :

   نالت المرأة في الحضارات والمجتمعات القديمة باعتبارها زوجةً الكثير من الظّلم، فقد كانت مجرد خادمةً أو طبّاخةً أو أداةً لتصريف الشّهوة ولم يكن لها حقوقُ زوجيّة يكلف الزوج بها، بل كانت في بعض المجتمعات تورّث مع تركة زوجها، وفي بعضها الآخر يبيعها الزوج إذا أراد، وفي بعضها الثالث تفقد اسمها ومالها وشخصيّتها واستقلالها المادي والأدبي، فلما جاء الإسلام ردّ للمرأة وهي زوجة حقوقها المسلوبة وكرامتها المغتصبة وقيمتها المفقودة. فأعطى للمرأة كامل الإرادة والحرية فيمن تختاره زوجاً لها ورفيقاً لحياتها، ومنع كل وسيلة ضغطٍ أو إجبارٍ عليها في هذا الشأن، وأوصى وليّها أن يساعدها في الاختيار السليم لزوجها. كما فرض الإسلام على الرجل أن يقدم للزوجة المهر إكراماً لها وإعلاءً لشأنها، وحرم الزواج الذي كان شائعا بدون مهر وهو نكاح الشغار : بأن يتبادل رجلان من يتوليانهما دون صداقٍ بينهما، وجعـل هذا الصّداق حقّا خالصًا لها، ليس للأب حـقُّ فيه إلا ما كان عن طيب نفسٍ منها قال تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) النساء الآية 4. وهذا المهر يطيّب نفس المرأة ويرضي خاطرها و يشعرها بأنها مطلوبة و مرغوب فيها. والإسلام أمر الزوج أن يُحسن معاملة زوجته، وأن يعاشرها معاشرةً طيبةً قال تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء الآية 19. ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى فيقول : "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وخياركم خياركم لنسائهم" أخرجه الترمذيّ في سننه. وكان من سنّته صلى الله عليه وسلم أن يداعب زوجاته ويتلطف معهنّ، فكان يسابق عائشة رضي الله عنها وكان يقول : "كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا ثلاث رميه عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهنّ من الحق" رواه أحمد وأصحاب السنن. ويقول ايضا : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه ابن حبان. والإسلام قد نهى الزوج عن بغض زوجته قال صلى الله عليه وسلم   : "لا يفرك (أي يبغض) مؤمنُ مؤمنةً إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" رواه مسلم. و أمر الإسلام  كذلك بصيانة الزوجة وأوجب الإنفاق عليها وأن يطعمها الزوج مما يأكل وأن يكسوها مما يلبس وأن يسكنها نفس سكنه وألا يضربها إلا تأديباً ويكون هذا الضرب بعد استنفاد مراحل الوعظ والهجر وذلك في حالات النشوز والخلاف، قال تعالى : (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) النساء الآية  34. والضرب كما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون ضرباً مبرحاً بل يكون تأديباً خفيفًا يتقي فيه الوجه. وفى واجب الإنفاق يقول تعالى : (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق الآية 7. وفى السّكْنى يقول تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ولا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) الطلاق الآية 6. ومن صور رحمة الإسلام بالزّوجة أن جعل نفقة الأولاد على أبيهم وليس على أمّهم حتى ولو كانت ذات مالٍ، ذلكم أن النفقة على الأولاد واجب شاقّ ينوء بحمله الرجال.

  إن الإسلام احتفظ للمرأة باستقلالها وباسمها وبشخصيتها بعد الزواج، فلا تمحى ذاتيتها بمجرد الزواج، بل تنسب لأبيها الحقيقي، وكذلك فإنها صاحبة الحق الكامل في تملّك المال وإدارته واستثماره، ولها إجراء العقود من بيعٍ وشراءٍ واستئجارٍ وهبةٍ وإعارةٍ ورهنٍ وغير ذلك من العقود. فان  زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ما فقدت إحداهنّ اسمها بالزواج بل بقيت تدعى باسم أبيها طيلة حياتها وبعد وفاتها، فهذه خديجة بنت خويلد، وتلك عائشة بنت أبي بكرٍ، وحفصة بنت عمر، وصفية بنت حُيىّ. وقد أعطى الإسلام المرأة الحق في طلب الطلاق إذا كان هناك داعٍ لذلك ولها أن تختلع من زوجها ولها أن تقف أمام القضاء وتخاصم الزوج إلى غير ذلك من الحقوق.

(يتبـــــــــــــــــــــــــع)

google-playkhamsatmostaqltradent