ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم الجمعة 26 محرم 1438 الموافق ل 28 اكتوبر 2016 بعنوان "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه... " وهذا نصها:
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل السلام سيمة الإسلام
وشعاره الذي يجنح إليه المسلمون كلما كان ذلك أيسر وأضمن للحفاظ على الجنس البشري.
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ميز المسلم
الحق والمؤمن الكامل بأنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فلا يعتدي على أحد ولا يتطاول
عليه بلسانه أو يده أو بغيرها من أنواع الإداية.
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله أدبنا بآداب
القرآن وجعلنا نمثل وصف الله لنا (كنتم خير أُمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اذهب الله
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا رضي الله عنهم أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون:
يقول رسول الله صلى الله عليه : "المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه"، رواه البخاري، إن
هذا الحديث الشريف ينقسم إلى شطرين أساسيين الأول يُعرف المسلم الكامل الذي تجتمع
فيه كل المواصفات التي تدل على أن الإسلام يظهر في سلوكه وأخلاقه حيث جعل
رسول الله من جملتها أن يسلم المسلمون من لسانه فلا يؤدي أحدا بكلام جارح لا
يقبله المنطق السليم ولا الآداب الإسلامي الرفيع فيأمنه الناس على أعراضهم ولا
يؤذي الناس بيده فيأمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ويشمل هذا الأمر
الرجال والنساء على السواء كما جاء في نص الحديث من سلم المسلمون، كما انه
لا يقتصر على سلامة المسلمين فحسب بل يشمل سلامة غيرهم من أهل
الديانات الأخرى، وقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم اللسان بالذكر لان أكثر
الأفعال والجرائم سببها اللسان واللسان كما نعلم هو المعبر عما في الضمير، وعبر
باللسان دون القول ليشمل إيذاء اللسان بالكلام وإيذاءه بالفعل
استهزاء. كما خص اليد بالذكر دون سائر الجوارح الأخرى لتدخل اليد
المعنوية كالاستيلاء على حق الغير ظلما ولأن كثرة الأفعال تقع باليد فالمسلم
الحقيقي هو الذي لا يتعرض لإيذاء أحد بلسانه أو يده فيسلم جميع الناس من إيذاءه
لأنه يحافظ على حرمات الناس ويصونها ويحترمها فلا يعتدي على حرمة النفس
بالقتل أو البطش ولا يتعدي على حرمة المال بالغصب أو الرشوة أو نحو ذلك ولا
يعتدي على حرمة الأعراض بانتهاكها وارتكاب الفاحشة، أو الوقوع في أعراض
الناس، أو الغيبة أو النميمة، وليس معنى الحديث أن التخلي عن الرذائل والبعد
عن إيذاء الناس يجعل المرء كامل الإسلام، وإنما يؤكد تعظيم ترك المرء إداية
الناس وأن فعله من نقصان الإسلام.
والإيذاء نوعان ظاهر وباطن، فالظاهر هو ما يكون بالجور
كالسرقة والنهب والغصب وما يتعلق بها من ضرب وقتل وجرح وغيرها.
وأما الباطن فهو الحسد والغل والحقد والكبر وسوء الظن،
وقد أمر الإسلام بكف الأذى بجميع الأنواع فلا يصح أن يؤدي المسلم أحدا إيذاء
ظاهرا ولا إيذاء باطنا بل عليه أن يكف الأذى والشر عن الناس وان ينقي
قلبه من الأحقاد والإضغان وان يكون صافي القلب نقي الضمير سليم الصدر فقد قال
الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا
يغتب بعضكم بعضا). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إياكم والظن فإن الظن اكذبُ الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا
تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
أما الشطر الثاني من الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام:
"والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه"، أي المهاجر هجرة تامة وحقيقة من ترك ما نهى
الله عنه من كل المحذورات والمحرمات واجتنب كل المحرمات وسار في الخط السوي
الذي شرعه الله وسنة رسول الله إذ ليس المهاجر هو الذي ترك ديار الكفر فقط ولكن
الهجرة هي ترك المعاصي وحمل النفس على طاعة الله ورسوله ابتغاء رضوان الله وتجنب
ما نهى الله عنه وما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جعلني الله وإياكم ممن أسلموا لله وجوههم فسلم المسلمون
من أيديهم، وألسنتهم، وألهمنا جميعا إتباع هدي رسول الله والسير على نهجه وسنته
وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين انه هو الغفور الرحيم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله
رب العالمين.