random
مقالات عشوائية :

خطبة الجمعة : قوة الشخصية

الصفحة الرئيسية
خطبة الجمعة : قوة الشخصية

خطبة الجمعة : قوة الشخصية


   ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن بمسجد الشهباء يوم الجمعة 09  من صفر 1435 الموافق ل13 دجنبر 2013 خطبة بعنوان : قوة الشخصية، وهذا نصها :

الحمد لله العلي الكبير اللطيف الخبير احمده واشكره وأتوب إليه واستغفره واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله واشهد أن محمدا عبده ورسوله دعانا إلى الإيمان حرصا علينا وندبنا إلى اتخاذ أسباب القوة والاعتصام بحبل الله المتين والسير على النهج القويم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل :" تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الذين ءامنوا به واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون رضي الله عنهم أجمعين.
أما بعد : فيقول الله سبحانه في كتابه الكريم في صفة المشركين : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون).
أيها المسلمون هذا حديث القرءان عن صنف من الناس تجردوا من العقل وساروا في الأرض على غير هدى دُعوا إلى الحق فرفضوه وأعرضوا عن هدي الرسول وقالوا (انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون).
إن ابسط ما في موقف هؤلاء أنهم رفضوا أن يستعملوا عقولهم وآثروا أن يسيروا في طريق الضلال والجهل والاسترخاء على أن يتحركوا ويفكروا ويحددوا بأنفسهم طريقهم، ومعنى ذلك أنهم فقدوا الإيمان بالله أولا وفقدوا معه قدرتهم على استخدام ما وهبهم الله من القوة أي أنهم في النهاية مجردُ حيوانات تتحرك وتدب على الأرض معطلة المواهب، تائهة في طريق التقليد لا كيان لها ولا شخصية ولا إحساس بقيمة الحياة. هذا الصنف من الناس هم الذين حذر النبي صلى الله عليه وسلم كل مؤمن أن يكون منهم حين قال : " أُغدُ عالما أو متعلما ولا تكن إمعة". أي عديم الرأي وهم الذين عناهم الله سبحانه في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون).
إن دينكم أيها المسلمون يكره لكم أن تكونوا من هذا الصنف الذي فقد شخصيته ويريد لكل فرد منكم كيانا قائما بذاته، لا يقنع إلا بما يفهمه عقله ولا يرى إلا بعينه ولا يسمع إلا بأذنيه ولا يسير إلا بإرادته ولا يخضع لمخلوق ضعيف مثله مهما يكن شأنه إلا أن يكون ذالا على الله وناصحا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن الواقع يفرض ان تكون نقطة البداية في تكوين المؤمن هي إيمانه بالله، فبهذا الإيمان تتكون مجموعة من العناصر التي تدعم شخصيته وتجعله ذا سلوك متميز عن الآخرين من غير المؤمنين في شتى مناحي الحياة.
فمن ذلك مثلا أن نجد الناس يتفقون على أن قرابة الرحم والدم من الأسباب التي تربط بين الفرد والفرد برباط لا ينفصم وهي تفرض نوعا من البر والتراحم  بينهما مهما كانت الظروف ويأتي منطق الإيمان لينشئ للمؤمن قرابة أخرى تنتج عن الشعور العميق بالأُخوة الروحية التي يترتب عليها أعظم قدر من البر والرحمة بين المؤمنين كما ينتج عنها نوع من الشدة في معاملة الكافرين.
يقول تعالى في محكم التنزيل : (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) هذه الشدة في معاملة الكفار لا يستثنى منها قريب أو نسيب فالكافرون بعضهم من بعض وان تباعدت أنسابهم والمؤمنون بعضهم أولياء بعض يقول تعالى : (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).
فالمؤمن يرى عن اقتناع انه ليس في الدنيا ما يعدل الإيمان وليس لأحد سلطان عليه الا الله وحده وقد انذر الله سبحانه بعض المؤمنين ممن تشغلهم القرابات أو تلهيهم التجارات والمنافع حتى نسوا الله فأنساهم أنفسهم،  انذرهم بالعواقب الوخيمة ووصفهم بالفسق والخروج عن سنن المؤمنين فقال : (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال  اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين).
إن الذي تلهيه هذه الأمور عن سبيل الله إنسان ضعيف الشخصية ضائع الهدف وجدير بمثله ألا يكون في زمرة المؤمنين الصادقين لأن الإيمان الصادق يصنع من المؤمن نموذجا جديدا له موقفه المتميز وله تصرفه المستقل وله سلوكه الذي يعتز بالله الخالق لا بالمخلوقات.
ولنعد أيها المسلمون إلى مسلك النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه في المرحلة الأولى من عمر الدعوة وقبل أن يشرع الله الجهاد للدفاع عن النفس بقوله : (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير).
في هذه المرحلة الأولى كان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورا بأن يدعو قومه إلى الله وان يصبر على أذاهم تبعا لخطاب ربه (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) لقد ذكرت كتب السيرة الكثير من أحداث صبر رسول الله على قومه، فمنهم من كان يضع الأذى والقاذورات على بابه ومنهم من كان يقذفه بهذه القاذورات ويلقيها على رأسه وهو في الصلاة، ومنهم من كان يرميه بالحجارة ومع كل ما تفنن به المشركون لتعذيبه بالضرب تارة وبالتجويع تارات فان صبره لم ينفذ بل ازداد إصرارا على الدعوة والمصابرة لعلاج المتمردين وكان من مأثور دعائه ساعة الشدة والبلاء : " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخرة من أن يحل بي غضبك أو ينزل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك". هذا الدعاء دعى به رسول الله بعد عودته من الطائف بعد أن صده أهلها. فهل كان هذا الصبر الجميل وهذا الحلم المعجز ضعفا في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وهل كان جبروت المشركين وعنادهم من عناصر قوة شخصيتهم ... كلا .... كلا، لكنه بالنسبة لصبر رسول الله صبرُ أُولو العزم من الرسل. وهكذا كان صبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان بلال رضي الله عنه في ساحة العذاب وهو يردد في إصرار أحد أحد أحد أحد. فكان أقوى ألف مرة من العذاب ومن الجلادين ولا شك أن الذي اقدره على هذا التحمل العجيب إنما هو إيمانه بالله الذي أمده بقوة تقهر ضعف الإنسان في نفسه.
فمنذ أصبح بلال مؤمنا لم يعد العبدَ الذليل الخاضع ولم يعد الإنسان الجبانَ الخائر وإنما أصبح المؤمن المعتز بالله (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) صدق الله العظيم .
جعلنا الله جميعا ممن يتخذ أصحاب رسول الله قدوة له في سلوكه ليقوى إيمانه بربه ويتحمل الصعاب في سبيل الثبات على دينه وتبليغه في محيطه ليؤدي الأمانة الملقاة على عاتقه، وابعد عنا المتنبطات والملهيات إنه سميع مجيب آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

google-playkhamsatmostaqltradent