random
مقالات عشوائية :

اليقين وثمراته (الجزء الاول)

الصفحة الرئيسية
 اليقين وثمراته (الجزء الاول)

 اليقين وثمراته (الجزء الاول)


 إن انفتاح الدنيا الشديد على كثير من الناس في هذا الزمان وما صحب ذلك من مكر الليل والنهار بأساليب جديدة ودعايات خبيثة تزين الدنيا في أعينهم وتصدهم عن الآخرة، ومع ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان والتقوى، فقد كان الرسول يحذرهم من الاغترار بالدنيا وضرورة الاستعداد للآخرة، مع أن الدنيا لم تنفتح عليهم مثل اليوم، فلا شك ولا ريب أننا أحوج منهم بكثير إلى أن نتذكر الآخرة ويذكّر بعضنا بعضاً بعظمة شأنها وأهمية الاستعداد لها.
وقد قست القلوب، وتحجرت الأعين، وهُجِرَ كتاب الله عز وجل، وإذا قرأ أحدنا القرآن قرأه بقلب لاهٍ، فأنّى لمثل ذلك القلب أن يخشع لذكر الله؟ وأنّى لعينيه أن تـدمع خوفاً من الله، وقد انعكس ذلك على الصلاة فقلّ الخاشعون والمطمئنون فيها.واليوم قل التذكر بيوم القيامة ومشاهده العظيمة والحث على العمل الصالح والمبادرة لفعل الخيرات وترك المنكرات، يقول تعالـى فـي وصــف عباده الصالحين :  (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإقَامِ الصَلاةِ وَإيتَاءِ الــزَّكَاةِ) النور  الآية 37. ويقول ايضا : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) الزمر الآية 9
كما ظهر في عصرنا اليوم من المشكلات المعقدة والأمراض المزمنة، التي نشأت عنها الأمراض النفسية المتنوعة من القلق والاكتئاب اللذين يؤديان غالباً إلى حياة يائسة، ومن أسباب ذلك : البعد عن الله تعالى، وعن تذكر اليوم الآخر. و انتشرت كذلك المظالم في بعض المجتمعات واعتداء الناس بعضهم على بعض، من أكلٍ لأموال غيرهم بدون وجه حق، وكذلك النيل من الأعراض، والحسد والتباغض، والفرقة والاختلاف، ولا شك أنه لا شيء مثل تذكر اليوم الآخر وتذكـر الوقـوف بين يدي اللـه عز وجل علاجاً لتلك الأمراض.
 ولما كان الركون إلى الدنيا والغفلة عن الآخرة من أعظم الأسباب في وهن النفوس وضعفها كان لا بد من التذكير المستمر بذلك اليوم وما فيه من نعيم أو جحيم، لأن في هذا التذكير أكبر الأثر في نشاط الهمم وعدم الاستسلام للوهـن واليأس رجاء ثواب اللـه عز وجل وما أعده للمجاهدين في سبيله.

ما قيل في الدنيا :

- قال الشاعر :
  نصبـتِ لنا دون التفكّر يا دنيــــــــا   
        أمانيّ يفنى العمر من قبل أن تفنـى
  متى تنقضي حاجاتُ من ليس واصلاً   
   إلى حاجةٍ حتى تكون له أخــرى
  لكل امرئٍ فيما قضى الله خطّـــةٌ    
        من الأمر فيها يستوي العبدُ والمولى
 وإن امرءاً يسعى لغيرِ نهايـــــــــةٍ     
     لمنغمسٌ في لجّـةِ الفـاقةِ الكبـرى


وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : صف لنا الدنيا، فقال : 'ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عذاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن'.

وقال هارون الرشيد : لو قيل للدنيا صفي نفسك ما وصفت نفسها بأكثر من قول أبي نواس : إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق.

وقيل لبعض الحكماء : صف لنا الدنيا، فقال : ناقضة للعزيمة، مرتجعة للعطية، كل من فيها يجري إلى ما لا يدري.

وقال أبو العتاهية في تعلق الناس بالدنيا وذمهم لها : أصبحت الدنيا لنا فتنة والحمد لله على ذلك قد أجمع الناس على ذمها وما أرى منهم لها تاركا .

ويحثنا إبراهيم بن أدهم على أن نبيع دنيانا بديننا ونبذل الرخيص بالغالي، لأن الدين هو الكنز الباقي وما عداه إلى الزوال، حيث قال : نُرقّع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع.

ويصف المتنبي الدنيا بالمعشوقة المعجونة طينتها بالغدر، حيث قال : أبداً تسترد ما تهب الدنيا فيا ليت جودها كان بخلا وهي معشوقة على الغدر لا تحفظ عهداً ولا تتم وصلا كل دمع يسيل منها عليها وبفك اليدين عنها تخلّى شيم الغانيات فيها فلا أد ري لذا أنَّت اسمها الناس أم لا وربما يستمر التحذير من غرور الدنيا ما استمرت ويدوم وصف غدرها ما دامت.

الآثار المرجوة لليقين باليوم الآخر :

إن في اليقين باليوم الآخر وأنبائه العظيمة لآثاراً واضحة وثماراً طيبة، لابد أن تظهر في قلب العبد وعلى لسانه وجوارحه، وفي حياته كلها، ولكن هذا اليقين وحده لا يكفي حتى ينضم إليه الصبر ومجاهدة الشهوات، لأن الواحد منا ـ مع يقينه باليوم الآخر وأهواله ـ يرى في حياته أن ثمرات هذا اليقين ضعيفة، فلابد إذن من سبب لهذا الأمر، ويجلي هذه المسألة الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال : فإن قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غداً إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبـة، أو يكرمـه أتم كرامة، ويبيت ساهياً غافلاً! ولا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعد له.

ضعف العلم ونقصان الايمان :

وهذا من أعجب الأشياء وأغربها، ويعود هذا إلى عدة أسباب :
أحدهما ضعف العلم ونقصان اليقين، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها. وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك، ليزداد طمأنينة، ويصير المعلوم غيباً شهادة. وقد روى الإمام أحمد عن النبي أنه قال : ليس الخبر كالمعاينة. فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده، وانضم إلى ذلك غلبات الهوى، واستيلاء الشهوة، وشرور النفس، وغرور الشيطان، واستبطاء الوعـد، وطول الأمـل، ورقدة الغفلة، وحب العاجلة، فهناك لا يمسك الإيمان إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب. وكل هذه الأسباب ترجع إلى ضعف البصيرة والصبر، ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين، وجعلهم أئمة الدين، فقال تعالى : (وَجَعَلْنَـا مِنْهُمْ أَئِمَّـةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُـونَ) السجدة.
(وغدا ان شاء الله مع الجزء الثاني الخاص بثمرات اليقين)




google-playkhamsatmostaqltradent