احاديث نبوية في العطاس والتثاؤب :
1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال" : إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده ـ
وفي رواية على فيه-، فإن الشيطان يدخل ” رواه مسلم
2) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم
فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان
فليرده ما استطاع فإذا قال هاء ضحك منه" رواه البخاري.
3) عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده
ما استطاع ولا يقل هاه هاه فإنما ذلكم الشيطان يضحك منه" أخرجه أبو
داود .
اقوال العلماء في شرح العطاس والتثاؤب :
- قال الخطابي : 'معنى حب العطاس وكراهة التثاؤب أن العطاس يكون
مع انفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات، وسبب هذه الأمور تخفيف الغذاء
والإقلال من الطعام، والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه، وعند استرخائه
للنوم وميله للكسل، فصار العطاس محموداً لأنه يعين على الطاعات، والتثاؤب مذموماً
لأنه يثبط عن الخيرات وقضاء الواجبات '.
- وعرف كذلك الدكتور عبد الرزاق كيلاني التثاؤب بأنه شهيق عميق يجري
عن طريق الفم فيدخل الهواء إلى الرئتين دون تصفية، خلافاً لما يحصل لو دخل مجراه
الطبيعي وهو الأنف .
وهو دليل على حاجة الدماغ خاصة إلى الأوكسجين والغذاء، وعلى تقصير
الجهاز التنفسي في تقديم ذلك إلى الدماغ خاصة وإلى الجسم عامة وهذا ما يحدث عند
النعاس وعند الإغماء. والتثاؤب قد يضر بالبدن لأن الهواء غير المصفى قد يحمل معه
إلى البدن الجراثيم والهوام، لذا نجد أن الهدي النبوي الحق يرد التثاؤب قدر
المستطاع أو سد الفم براحة اليد اليمنى أو بظهر اليد اليسرى هو التدبير الصحي
الأمثل.
- وقد أكد الدكتور إبراهيم الراوي أن العطاس وسيلة دفاعية دماغية
هامة لتخليص المسالك التنفسية من الشوائب ومن أي جسم غريب يدخل إليها عن طريق
الأنف، فهو بذلك الحارس الأمين الذي يمنع ذلك الجسم الغريب من الإستمرار في الولوج
داخل القصبة الهوائية. فإن مجرد ملامسة الجسم الغريب لبطانة الأنف -من حشرة ضارة
أو ذات مهيجة وغيرها- فإن بطانة الأنف تتنبه بسرعة عجيبة آمرة الحجاب الحاجز بصنع
شهيق عميق لا إرادي يتبعه زفير عنيف الذي هو العطاس عن طريق الأنف لطرد الداخل
الخطير ومنعه من متابعة سيره عبر المسالك التنفسية إلى الرئتين .
ويتابع الدكتور الراوي قوله : 'أما إذا دخل الجسم الغريب عن طريق الفم
ووصل إلى القصبة الهوائية فإن ذلك ينبه الجهاز التنفسي محدثاً السعال لصد الخطر
وطرد الجسم الغريب الداخل إلى المجرى التنفسي ولا يحدث العطاس إلا حين دخول المواد
المؤذية عن طريق الأنف'.
- والتثاؤب عند اللغويين من تثاءب وتثأب، أي أصابه كسل وفترة كفترة
النعاس. وينقل الدكتور غياث الأحمد تفسير علماء النفس للتثاؤب على أنه دليل على
الصراع بين النفس وفعالياتها من جهة، وبين الجسد وحاجته إلى النوم من جهة أخرى.
وهو من الناحية الطبية فعل منعكس من أفعال التنفس، ويرى أن علية كراهة النبي صلى
الله عليه وسلم له كونه دليل على الكسل والخمول .
فوائد في رد التثاؤب :
يرى الدكتور أنور حمدي أن الأمر النبوي الكريم برد التثاؤب قدر
المستطاع إنما يحمل فوائد ثلاث :
👈أولها أنه دليل بلا شك على ذوق جمالي رفيع، إذ أن المتثائب حين يفغر فاه كاملاً، مظهراً كل ما فيه من بقايا طعامية ولعاب وأسنان نخرة أو ضائعة مع ظهور رائحة الفم يثير الاشمئزاز في نفس الناظر.
👈ثانياً فائدة وقائية إذ يفيد في منع الهوام والحشرات من الدخول إلى الفم أثناء فعله.
👈ثالثاً وقائي أيضاً فهذه التعليمات الرائعة تقي من حدوث خلع في المفصل الفكي الصدغي، ذلك أن الحركة المفاجئة الواسعة للفك السفلي أثناء التثاؤب قد يؤدي لحدوث مثل هذا الخلع.
أما العطاس فهو عكس التثاؤب ويعرف بأنه زفير قوي يخرج معه الهواء بقوة
من طريقي الأنف والفم معاً جارفاً معه كل ما يجده في طريقه من غبار وهباء وجراثيم
وسواها ويطردها من الجسم مخلصاً له من أذاه. لذا وكما يرى د. الكيلاني كان طبيعياً
أن يكون العطاس من الرحمن لما فيه من المنافع للبدن وحق على المسلم أن يحمد الله
سبحانه وتعالى على العطاس كما أن عليه أن يتعوذ من الشيطان حين التثاؤب.
هذا وقد عرف الإنسان منذ القدم فائدة العطاس لجسمه وعرف أنه يجلب له
الراحة والإنشراح فاستخدم طريقة لتنبيه بطانة الأنف لإحداث العطاس وذلك بإدخال
سنابل الأعشاب أو ريش الطير إلى الأنف أو باستنشاق مواد مهيجة -كالنشوق- حيث يؤدي
ذلك إلى إحداث تهيج شديد في بطانة الأنف وأعصابها الحسية يؤدي إلى حدوث العطاس وما
ينجم عنه من شعور بالراحة .
والفرق العجيب بين العطاس والسعال أن السعال لا يؤثر على الدماغ ولا
يحدث العطاس. ولا يزال العلماء حتى اليوم يقفون حائرين أمام هذا السر المبهم، ولا
يزالون عاجزين عن إيجاد أي تعليل علمي عن آلية توليد العطاس لذلك الشعور بالارتياح
في الدماغ وخفة الرأس وانشراح النفس.
وقد اعتبره الأطباء القدامى 'العطاس' شعاع الحياة، وكان عندهم مقياساً
لدرجة الصحة والعافية، ولاحظوا أن الإنسان عندما يصاب بمرض خطير فإنه يفقد القدرة
على العطاس، وكانوا يعتبرون عطاس مريضهم بشارة لحسن العاقبة عنده وأملاً بابتعاد
ناقوس الخطر عنه. ويذكرنا بأهمية العطاس للبدن التفاتة الرسول صلى الله عليه وسلم
وأمر الناس بتشميت العاطس، هذه الالتفاتة توحي بأن هناك خطراً متوقعاً فجاء
العطاس، فطرد بقدرة الله جل جلاله العدو المهاجم وانتصر عليه وأبقى صاحبه معافى.
وهكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نشمت العاطس، أي ندعو له بقولنا
"يرحمك الله".
فعلى المسلم إذا عطس أخاه المسلم أن يبارك له هذه الرحمة الإلهية
والتي يكمن وراءها سر خفي من أسرار هذا الجسم البشري فسبحان من خلق الإنسان وأبدعه
في أحسن تقويم. وفي تشميت العاطس حكمة إلهية أن يوحي الله عز وجل إلى نبيه صلى
الله عليه وسلم أن يوجه أتباعه إلى أهمية ما في العطاس من منفعة للبدن تستحق الحمد
والشكر وهذه من معجزات النبوة، إذ لماذا نحمد الله على العطاس ولا نفعل ذلك عند
السعال؟
لا شك أن هناك سراً خفياً ونعمة كبرى تستحق حمد الله الذي خلق فأبدع
وصمم فأتقن التصوير وفوق هذا فقد جعل من حق المسلم على المسلم أن يبارك له رحمة
الله إذا أصابه العطاس واستشعر حلاوته فقال : "الحمد لله" جهراً يسمعه
من حوله ليقدموا له دعواتهم "يرحمكم الله" وهذا مصداق قول النبي صلى
الله عليه وسلم : "حق المسلم على المسلم ست .. وعدّ منها وإذا عطس وحمد الله
فشمته ".
والمقصود بالعطاس، العطاس الطبيعي، وأما العطاس المرضي الناجم عن الزكام مثلاً،
فإن المصاب يعطس مرات مرات وعلى السامع أن يشمته في الأولى والثانية وبعد ذلك يدعو
له بالعافية "عافاك الله ".
والتدبير النبوي الرائع في العطاس، أن يضع العاطس يده على فمه ليمنع
وصول الرذاذ إلى الجالسين، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : 'كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض من صوته'.
وهذا الأدب النبوي له حكمته الصحية الجلية، إذ يندفع مع العطاس رذاذه
إلى مسافة بعيدة يمكن أن يصل معها إلى الجالسين، أو أن يصل إلى طعام أو إلى شراب
قريب منه، وهذا يمكن أن ينقل العدوى بمرض ما كالزكام إن كان العاطس مصاباً به،
وليس من خلق المسلم أن يتسبب لأخيه بذلك، لذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأدب في أن نضع يدنا أو منديلاً على فمنا عند العطاس لمنع وصول رذاذه إلى الغير
وفي ذلك غاية الأدب ومنتهى الحكمة.