اخواني واخواتي القراء الافاضل، نتابع نشر موضوع 'اقوال وحكم السلف الصالح' رضوان الله عليهم، والقصد هو الاستفادة من تصرفاتهم واقوالهم وافعالهم لكي نطبق ما استطعنا من ذلك في حياتنا، ومع الجزء الثاني :
دع ما تعتذر منه من الأمور ولا تعمل به
جاء في كتاب 'وصايا العلماء عند الموت' (ص69-70) : عن
الشعبي قال : لما حضر عبد الله بن مسعود الموت دعا ابنه فقال : «يا عبد الرحمن بن
عبد الله بن مسعود، إني أوصيك بخمس خصال فاحفظهن عني : أظهر اليأس للناس، فإن ذلك
غنى فاضل، ودع مطلب الحاجات إلى الناس فإن ذلك فقر حاضر، ودع ما تعتذر منه من
الأمور، ولا تعمل به، وإن استطعت ألا يأتي إلا وأنت فيه خير منك بالأمس فافعل،
فإذا صليت فصلِّ صلاة مودع كأنك لا تصلي بعدها».
السابق اليوم من غُفر له
جاء في كتاب 'الجليس الصالح' للكافي (4/60-61) : عن
المدائني قال : «خطب عمر بن عبد العزيز الناس بعرفة، فقال بعد أن حمد الله وأثنى
عليه :
أيها الناس، إنكم قد جئتم من القريب والبعيد، وأنضيتم
الظهر، وأخلقتم الثياب، وليس السابق اليوم من سبقت راحلته أو دابته، ولكن السابق
اليوم من غفر له».
شعرة معاوية رضي الله عنه
جاء في 'عيون الأخبار' لابن قتيبة (1/62) ما نصه : قال
معاوية : «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن
بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. قيل : وكيف ذلك؟ قال : كنت إذا مدوها خليتها،
وإذا خلوها مددتها».
أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها
جاء في 'عيون الأخبار' لابن قتيبة (1/116) ما نصه : عن
إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال : «كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملاً يشترط عليه
أربعًا : ألا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقيء، ولا يتخذ بوابًا.
فمر يومًا ببناء يبنى بحجارة وجص فقال : لمن هذا؟ فذكروا
عاملاً له على البحرين. فقال : أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها. وشاطره ماله».
البراذين : جمع برذون بكسر الباء : الدابة أو الفرس غير
الأصيلة، وقيل التركي من الخيل (البغال).
النقيء : مخ العظم.
ثابروا على تدوين العلم تنالوا به الدنيا والآخرة
جاء في 'ترتيب المدارك' للقاضي عياض اليحصبي (2/477) في
ترجمة أسد بن الفرات – الإمام العلم أحد أصحاب الإمام مالك – ما نصه :
«لما خرج أسد إلى سوسة – وهي مدينة تونسية على ساحل
البحر – ليتوجه منها إلى صقلية، خرج معه وجوه أهل العلم والناس يشيعونه، وأمر
بزيادة ألا يبقى أحد من رجاله إلا شيعه، فلما نظر الناس حوله من كل جهة، وقد صهلت
الخيل وضربت الطبول وخفقت البنود، قال :
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والله يا معشر
المسلمين ما ولي لي أب، ولا جد، ولا رأى أحد الناس من سلفي، مثل هذا، وما بلغت ما
ترون إلا بالأقلام، فاجتهدوا أنفسكم فيها، وثابروا على تدوين العلم، تنالوا به
الدنيا والآخرة».
سلم منك الروم والسند والهند والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم
جاء في 'البداية والنهاية' لابن كثير (9/336) و'تهذيب
الكمال' (3/421) في ترجمة إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة وفقيهها، عن سفيان بن
حسين الواسطي :
«ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة
– وهو تابعي يَضرب المثل بذكائه – فنظر في وجهي وقال : أغزوت الروم؟ قلت : لا! قال
: أفسلم منك الروم والسند والهند والترك، ولم يسلم منك أخوك المسلم؟!
قال سفيان : لم أعُد بعدها – يعني إلى عيب أحد من الناس
أو غيبته -».
الجواب ما ترى لا ما تسمع
جاء في 'تاريخ بغداد' (3/344) و'البداية والنهاية' لابن
كثير (10/296) و'سير أعلام النبلاء' (10/291) للذهبي في ترجمة الخليفة المعتصم أبي
إسحاق محمد بن الرشيد العباسي، ما نصهة : «قال الرياشي : كتب طاغية الروم إلى
المعتصم يتهدده، فأمر بجوابه، فلما عُرض عليه رماه، وقال للكاتب : اكتب : أما بعد،
فقد قرأت كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع (وَسَيَعْلَمُ
الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)».
ما لي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون
جاء في 'الحلية' (2/213) و'صفة الصفوة' (1/628) عن
الضحاك قال : قال أبو الدرداء : «يا أهل دمشق! أنتم الإخوان في الدين، والجيران في
الدار، والأنصار على الأعداء، ما يمنعكم من مودتي؟ وإنما مؤونتي على غيركم. ما لي
أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون؟ وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم به،
وتركتم ما أمرتم به. ألا إن أقوامًا بنوا شديدًا، وجمعوا كثيرًا، وأملوا بعيدًا،
فأصبح بنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا، وجمعهم بورًا، ألا فتعلموا وعلموا، فإن
العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في الناس بعدهما».
حلاوة العلم والمذاكرة خير من حلاوة الوزارة
جاء في 'تذكرة الحفاظ' للإمام الذهبي (3/915) في ترجمة
الحافظ الكبير والإمام الثبت أبي القاسم سليمان بن أيوب الطبراني الشامي رحمه الله
ما نصه : «عن ابن العميد قال : ما كنت أظن في الدنيا حلاوة كحلاوة الوزارة أو
الرياسة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي. وكان
الطبراني يغلبه بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلبه بفطنته، حتى ارتفعت أصواتهما، إلى
أن قال الجعابي : عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي. فقال : هات. قال : حدثنا أبو
خليفة، أنا سليمان بن أيوب، وحدث بحديث.
فقال الطبراني : أنا سليمان بن أيوب، ومني سمعه أبو
خليفة فاسمعه مني عاليًا، فخجل الجعابي. فقال ابن العميد : وددت أن الوزارة لم تكن
وكنت أنا الطبراني وفرحت كفرحه».
المؤمن لا يشفي غيظه
جاء في 'تاريخ بغداد' (9/66) في ترجمة سعيد بن سليمان
المديني المساحقي القاضي الإمام رحمه الله ما نصه : «قال نوفل ابن ميمون : جاء
سعيد بن سليمان إلى عبد الله بن محمد بن عمران شاهدًا، فرد ابن عمران شهادته. فلما
ولي سعيد القضاء، جاء عبد الله بن محمد بن عمران شاهدًا، فأخذ شهادته فنظر فيها
ساعة ثم رفع رأسه، فقال : المؤمن لا يشفي غيظه، أوقع شهادته يا ابن دينار،
فأوقعها».
ليس كل غَيْبَة جفوة، ولا كل لقاء مودة
جاء في 'سير أعلام النبلاء' (13/358) في ترجمة الشيخ
الإمام الحافظ، أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق البغدادي الحربي صاحب التصانيف :
عن أبي الحسن بن قريش؛ قال : «حضرت إبراهيم الحربي وجاءه
يوسف القاضي ومعه ابنه أبو عمر، فقال له : يا أبا إسحاق! لو جئناك على مقدار واجب
حقك، لكانت أوقاتنا كلها عندك. فقال : ليس كل غيبة جفوة، ولا كل لقاء مودة، وإنما
هو تقارب القلوب».
السعاية قبيحة ولو كانت صحيحة
جاء في 'وفيات الأعيان' لابن خلكان (4/210) في ترجمة
الوزير محمد بن علي بن خلف أبو غالب – الملقب بفخر الملك – ما نصه : «أنه وقع في
قصة رجل سعى برجل : السعاية قبيحة، ولو كانت صحيحة، فلئن كنت أخرجتها بالنصح،
فخسرانك فيها أكثر من الربح، وإنا لا ندخل في محظور، ولا نسمع قول مهتوك في مستور،
ولولا أنك في خفارة شيبتك لقابلناك على جريرتك، مقابلة تشبه أفعالك، وتروع أمثالك،
فاستر على نفسك هذا العيب، واتق من يعلم الغيب، فإن الله تعالى للصالح والطالح
بالمرصاد».
انزل فإن السخي لا تؤدبه التجارب
جاء في 'البداية والنهاية' للإمام ابن كثير (9/349) عن
الشافعي أنه قال : «عتب رجاء بن حيوة على الزهري في الإسراف، وكان يستدين، فقال له
: لا آمن أن يحبس هؤلاء ما بأيدهم عنك، فتكون قد حملت أمانيك.
قال : فوعده الزهري أن يقتصر، فمر بعد ذلك وقد وضع
الطعام، ونصب موائد العسل، فوقف به رجاء، وقال : يا أبا بكر، ما هذا بالذي فارقنا
عليه. فقال الزهري : انزل فإن السخي لا تؤدبه التجارب».
إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس
جاء في 'سير أعلام النبلاء' (11/211) في ترجمة الإمام
القدوة الرباني أحمد بن حنبل أبي عبد الله الشيباني رحمه الله تعالى عن المروزي أنه قال :
أدخلت نصرانيًّا على أبي عبد الله – يعني أحمد بن حنبل –
فقال له : إني لأشتهي أن أراك منذ سنين، ما بقاؤك صلاح للإسلام وحدهم، بل للخلق
جميعًا، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك. فقلت لأبي عبد الله : إني لأرجو أن
يكون يُدعى لك في جميع الأمصار. فقال : يا أبا بكر، «إذا عرف الرجل نفسه، فما
ينفعه كلام الناس».
إن البلاء مُوكل بالمنطق
جاء في 'نزهة الألباء في طبقات الأدباء' لابن الأنباري
(ص61-62) في ترجمة الإمام اللغوي علي بن حمزة أبي الحسن الكسائي رحمه الله تعالى
ما نصه «قال ابن الدورقي : اجتمع الكسائي
و اليزيدي عند الرشيد، فحضرت صلاة الجهر، فقدموا الكسائي فصلى بهم فارتج عليه في
قراءة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ).
فلما سلم قال اليزيدي : قارئ أهل الكوفة يرتج عليه في
قراءة : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ).
فحضرت صلاة الجهر فتقدم اليزيدي فصلى فارتج عليه في سورة
الحمد، فلما سلم قال :
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى
إن البلاء موكل بالمنطق
لا يكون النمام صادقًا
جاء في 'إحياء علوم الدين' للإمام الغزالي رحمه الله
تعالى (3/156) ما نصه :
«رُوي أن سليمان بن عبد الملك كان جالسًا؛ وعنده الزهري،
فجاءه رجل فقال له سليمان : بلغني أنك وقعت فيَّ؛ وقلت : كذا وكذا؟ فقال الرجل :
ما فعلت. ولا قلت. فقال سليمان : إن الذي أخبرني صادق. فقال له الزهري : لا يكون
النمام صادقًا. فقال سليمان : صدقت؛ ثم قال للرجل : اذهب بسلام».
ما رزق امرؤ مثل عافية
جاء في 'سير أعلام النبلاء' للذهبي (15/507) في ترجمة
زاهد الأندلس أبي وهب رحمه الله تعالى، عن أبي جعفر بن عون الله؛ قال : سمعته –
يعني أبا وهب – يقول :
«لا عانق الأبكار في جنات النعيم والناس غدًا في الحساب
إلا من عانق الذل، وضاجع الصبر، وخرج منها كما دخل فيها، ما رزق امرؤ مثل عافية،
ولا تصدق بمثل موعظة، ولا سأل مثل مغفرة».
الذل : أي أن يذل العبد لله فيطيعه، ويشعر بضعفه البشري
أمام قوة العزيز الجبار.