random
مقالات عشوائية :

اقوال وحكم السلف الصالح : الجزء الاول

 

اقوال وحكم السلف الصالح : الجزء الاول

     ان الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها، فكيف إذا صدرت هذه الحكمة من أفواه تربت في مدرسة الكتاب والسنة ونهلت من معينها، لا شك أن ذلك يضفي عليها صبغة خاصة، تجعلها نموذجًا راقيًا، مثلاً عليا في تاريخ هذه الأمة، يقتدي بها المسلم المعاصر ويستنير بها في حياته، في وقت هو أحوج ما يكون لهذه المثل والقيم، وإن كتب التراجم وسير السلف الصالح مليئة بتلك المواقف والحكم والأقوال التي خلدها التاريخ وسجلتها المكتبة الإسلامية، ونقلتها لنا بكل أمانة ودقة تلك الأقلام الرفيعة السامية لعلماء هذه الأمة، تلك الأقلام النقية، التي تكتب ما يبني ويُعمِّر، لا ما يهدم ويخرِّب، كما هو مشاهد في عصرنا هذا من كثير من الكتاب المهزومين المنخدعين بحضارة الغرب وبهرجته.

 

وستجدون أسفله مجموعة من الأقوال والحكم لجماعة من علماء هذه الأمة وعظمائها لنشر فضائلهم وذكر مآثرهم، ولكي تستخلصوا منها العبر والدروس : 

 

الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل

جاء في كتاب 'إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان' لابن قيم الجوزية (1/69-70) ما نصه :

«لأن الحق هو الذي مات عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم».

قال عمرو بن ميمون الأودي : صحبت معاذًا باليمن فما فارقته حتى واريته التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فسمعته يقول : عليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة.

ثم سمعته يومًا من الأيام وهو يقول : سَيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها، فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة.

قال : قلت : يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدثونا؟

قال : وما ذاك؟

قلت : تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول : صل الصلاة وحدك، وهي الفريضة، وصل مع الجماعة، وهي النافلة؟

قال : يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنك أفقه أهل هذه القرية، تدري ما الجماعة؟

قلت : لا. قال : إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك».

وفي طريق أخرى : فضرب على فخذي، وقال : ويحك، إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل.

قال نعيم بن حماد : «يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة، حينئذ، ذكره البيهقي وغيره».

  

ملك لا يساوي شربة ماء

جاء في 'شذرات الذهب في أخبار من ذهب' لابن العماد الحنبلي (1/336) في ترجمة الخليفة هارون الرشيد رحمه الله تعالى ما نصه : «دخل ابن السماك على الرشيد، فاستسقى الرشيد ماءً، فقال له ابن السماك : بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال : بملكي. قال : لو منعت خروجها، بكم كنت تشتريه؟ قال : بملكي. فقال : إن ملكًا قيمته شربة ماء لجدير ألا ينافس عليه».

 

اسكت إنما أهلك فرعون هامان

جاء في 'سراج الملوك' (ص51) و'الورع' للإمام أحمد (ص162) و'مقدمة الجرح والتعديل' (ص14) في ترجمة الإمام القدوة العابد الفقيه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي رحمه الله تعالى ما نصه :

قال سفيان الثوري :

لما حج أبو جعفر المنصور قال : لا بد لي من سفيان. فوضعوا لي الرصد حول البيت فأخذوني بالليل، فلما مُثلت بين يديه أدناني ثم قال : لأي شيء لا تأتينا فنستشيرك في أمرنا، فما أمرتنا من شيء صرنا إليه، وما نهيتنا عن شيء انتهينا عنه.

فقلت له : كم أنفقت في سفرك هذا؟

قال : لا أدري، لي أمناء ووكلاء.

قلت : فما عذرك غدًا، إذا وقفت بين يدي الله تعالى فسألك عن ذلك؟ لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حج قال لغلامه : كم أنفقت في سفرنا هذا؟ قال : يا أمير المؤمنين، ثمانية عشر دينارًا.

فقال : ويحكم أجحفنا ببيت مال المسلمين، وقد علمت ما حدثنا به منصور بن عمار وأنت حاضر ذلك، وأول كاتب كتبه في المجلس، عن إبراهيم عن الأسود عن علقمة عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "رب متخوض في مال الله، ومال رسول الله فيما شاءت نفسه له النار غدًا".

فيقول أبو عبيد الكاتب أحد متزلفي الحاشية : أمير المؤمنين يُستقبل بمثل هذا؟ فيجيبه سفيان : «اسكت إنما أهلك فرعون هامان، وهامان فرعون».

 

بعْ دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا

جاء في 'تهذيب الكمال' (6/116)، و'حلية الأولياء' لأبي نعيم (2/143) في ترجمة الإمام القدوة سيد التابعين وأحد الزهاد المعروفين الحسن بن أبي الحسن أبي سعيد البصري  رحمه الله ما نصه :

«حدثنا عبد المؤمن بن عبيد الله، عن الحسن قال : يا ابن آدم، عَمَلَكَ، عَمَلَكَ، فإنما هو لحمك ودمك، فانظر على أي حال تلقى عملك، إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها : صدق الحديث، والوفاء بالعهد، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلة الفخر والخيلاء، وبذل المعروف، وقلة المباهاة للناس، وحسن الخلق، وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله.

يا ابن آدم، إنك ناظر إلى عملك يوزن خيره وشره، فلا تحقرن من الخير شيئًا وإن هو صغر، فإنك إذا رأيته سرك مكانه، ولا تحقرن من الشر شيئًا، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، فرحم الله رجلاً كسب طيبًا، وأنفق قصدًا، وقدم فضلاً ليوم فقره وفاقته، هيهات، هَيهات، ذهبت الدنيا بحالتي مآلها، وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم، أنتم تسوقون الناس، والساعة تسوقكم، وقد أسرع بخياركم، فماذا تنتظرون؟ المعاينة فكأن قد، إنه لا كتاب بعد كتابكم، ولا نبي بعد نبيكم.

يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا».

 

الغادر مخذول والناكث مغلول

جاء في 'قصص العرب' (3/80) عن عمرو بن حفص مولى الأمين أنه قال : دخلت على محمد الأمين في جوف الليل، وكنت من خاصته، أصل إليه حيث لا يصل إليه أحد من مواليه وحشمه، فوجدته والشمع بين يديه وهو يفكر، فسلمت عليه، فلم يرد علي، فعلمت أنه في تدبير بعض أموره، فلم أزل واقفًا حتى مضى أكثر الليل، ثم رفع رأسه إليَّ فقال :

أحضر لي خزيمة بن خازم، فمضيت إليه فأحضرته، فلم يزل في مناظرته حتى انقضى الليل، فسمعت خزيمة وهو يقول :

أنشدك الله يا أمير المؤمنين، ألا تكون أول الخلفاء نكث عهده، ونقض ميثاقه، واستخف بيمينه، ورد رأي الخليفة قبله.

فقال : اسكت، لله أبوك، فعبد الله بن خازم كان أفضل منك رأيًا، وأكمل نظرًا حيث يجتمع فحلان في هجمة.

ثم جمع وجوه القواد، فكان يعرض عليهم واحدًا واحدًا ما اعتزمه، فيأبونه، وربما ساعده قوم، حتى بلغ إلى خزيمة بن خازم وشاوره في ذلك، فقال : يا أمير المؤمنين، لم ينصحك من كذبك، ولم يغشك من صدقك، لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك، ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك، فإن الغادر مخذول، والناكث مغلول.

 

إخواني إن فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي

جاء في 'تهذيب الكمال' (22/37) في ترجمة التابعي الجليل عمرو بن سعيد بن العاص أبي أمية القرشي الأموي المدني المعروف بالأشدق رحمه الله تعالى ما نصه : «عن عبد الملك بن عمير، عن أبيه قال : لما حضر سعيد بن العاص الوفاة جمع بنيه، فقال : أيكم يكفل ديني؟ فسكتوا. قال : ما لكم لا تكلمون؟

فقال عمرو الأشدق وكان عظيم الشدقين : وكم دينك يا أبة؟

قال : ثلاثون ألف دينار.

قال: فبم استدنتها يا أبة؟

قال : في كريم سددت فاقته، وفي لئيم فديت عرضي عنه.

فقال عمرو : هي عليَّ يا أبة.

فقال سعيد : مضت خَلَّةٌ وبقيت خلتان.

فقال عمرو : وما هما يا أبة؟

قال : بناتي لا تزوجهن إلا من الأكفاء ولو بعُلق الخُبز الشعير.

فقال : وأفعل يا أبة.

قال سعيد : مضت خلتان وبقيت خلة واحدة.

فقال : وما هي يا أبة؟

فقال : إخواني إن فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي.

فقال عمرو : وأفعل يا أبة.

فقال سعيد : أما والله لئن قلت ذلك، لقد عرفت ذلك في حماليق وجهك وأنت في مهدك.

ثم قال سعيد : ما شتمت رجلاً منذ كنت رجلاً، ولا كلفت من يرتجيني أن يسألني، لهو أمَنّ علي مني عليه إذا قضيتها له إذ قصدني الحاجة».

 

لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل

جاء في 'تاريخ بغداد' للخطيب (14/15) و'الوفيات' لابن خلكان (2/228) في ترجمة الإمام الأديب النحوي إمام الكوفيين في النحو يحيى بن زياد الفراء الكوفي المتوفى سنة 207هـ رحمه الله تعالى ما نصه :

«كان الخليفة المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يومًا أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانها له، فتنازعا أيهما يقدمها، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردة، فقدماها. وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر – أي رجل يأتيه بالأخبار – فرفع إليه ذلك الخبر، فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال له :

من أعز الناس؟ قال : ما أعرف أحدًا أعز من أمير المؤمنين. قال : بلى، من إذا نهض؛ تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضي كل منهما أن يقدم له فردة.

قال : يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مَكْرُمَةٍ سبقا إليها، وأكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها، وقد روي عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين رضي الله عنهما ركابيهما حتى خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر : أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما فقال له : اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل.

فقال له المأمون : لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لومًا وعتبًا، وألزمتك ذنبًا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما، وبين عن جوهرهما، ولقد ثبتت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل – وإن كان كبيرًا – عن ثلاث : عن تواضعه لسلطانه، ووالده، ومعلمه العلم، وقد عوضتهما بما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما».

 

لأن أكون ذنبًا في الحق أحب إلي  من أن أكون رأسًا في الباطل

حكى الحافظ ابن حجر في 'تهذيب التهذيب' (7/7) في ترجمة عبيد الله بن الحسن العنبري، أحد سادات أهل البصرة، وفقهائها، وعلمائها، وكان قاضيها، قال : قال عبد الرحمن بن مهدي – تلميذه - : كنا في جنازة فسألته عن مسألة فغلط بها، فقلت له : أصلحك الله، القول فيها كذا وكذا.

فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال : «إذًا أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبًا في الحق، أحب إلي من أن أكون رأسًا في الباطل».


google-playkhamsatmostaqltradent