اخواني واخواتي القراء الأعزاء
نختم موضوع الأساليب التربوية في هدي الرسول محمد صلى
الله عليه وسلم بهذا الجزء الأخير والذي تناولنا فيه استخدام التوجيه غير المباشر،
واستخدام التوجيه المباشر، والتشجيع والثناء :
8- استخدام التوجيه غير المباشر :
ويتمثل التوجيه غير المباشر في أمور منها :
أ- كونه صلى الله عليه
وسلم يقول ما بال أقوام، دون أن يخصص أحداً بعينه، ومن ذلك قوله في قصة بريرة فعن
عائشة رضي الله عنها فقالت أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت إن شئت أعطيت أهلك
ويكون الولاء لي فلما جاء رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ذكرته ذلك قال النبي صلى
اللهم عليه وسلم ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله صلى
اللهم عليه وسلم على المنبر فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من
اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط رواه
البخاري ومسلم.
وحديث أنس رضي الله عنه أن نفرا
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله
في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام
على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال : "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني
أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" رواه
البخاري.
ب- وأحياناً يثني على صفة
في الشخص ويحثه على عمل بطريقة غير مباشرة، ومن ذلك ما رواه عن عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما قال : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها
على النبي صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه
وسلم، وكنت غلاماً أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم،
فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر،
وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار،
أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر فقال لي : لن تراع، فقصصتها على حفصة،
فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "نعم الرجل عبد الله لو كان
يصلي بالليل" قال سالم : فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً "رواه
البخاري.
ج- وأحياناً يأمر أصحابه
بما يريد قوله للرجل، عن أنس بن مالك أن رجلا دخل على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعليه أثر صفرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلا في وجهه بشيء
يكرهه فلما خرج قال : "لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه" رواه أبو داود.
د- وأحياناً يخاطب غيره
وهو يسمع، عن سليمان بن صرد قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن
عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "
إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم" فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال :
إني لست بمجنون ، رواه البخاري ومسلم.
9- استخدام التوجيه المباشر :
أ- والمواقف متنوعة فقد يكون الموقف موقف حزن
وخوف فيستخدم في الوعظ، كما في وعظه صلى الله عليه وسلم أصحابه عند القبر.
عن البراء بن عازب قال خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما
يلحد فجلس رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير وفي
يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو
ثلاثا… ثم ذكر الحديث الطويل في وصف عذاب القبر رواه أبو داوود.
ب- وقد يكون موقف مصيبة
إذا أمر حل بالإنسان، فيستثمر ذلك في ربطه بالله تبارك وتعالى.
عن زيد بن أرقم قال أصابني رمد
فعادني النبي صلى الله عليه وسلم، قال فلما برأت خرجت، قال فقال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعاً؟" قال: قلت : لو كانتا عيناي لما بهما صبرت واحتسبت، قال : "لو كانت
عيناك لما بهما ثم صبرت واحتسبت للقيت الله عز وجل ولا ذنب لك" رواه أحمد،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم
استخدم مثل هذا الموقف لتقرير قضية مهمة لها شأنها وأثرها كما فعل حين دعائه
للمريض بهذا الدعاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : "إذا جاء الرجل يعود مريضا قال : اللهم اشف عبدك
ينكأ لك عدوا ويمشي لك إلى الصلاة" رواه أحمد.
إنه يوصي المسلم بعظم مهمته
وشأنه وعلو دوره في الحياة، فهو بين أن يتقدم بعبادة خالصة لله، أو يساهم في نصرة
دين الله والذب عنه .
ج- وقد يكون الموقف
ظاهرة كونية مجردة، لكنه صلى الله عليه وسلم يستثمره ليربطه بهذا المعنى عن جرير
بن عبدالله رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر
ليلة يعني البدر فقال : "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في
رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها
فافعلوا" ثم قرأ (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) رواه البخاري ومسلم.
د- وقد يكون الموقف
مثيراً، يستثير العاطفة والمشاعر كما في حديث أنس السابق في قصة المرأة .
10- التشجيع
والثناء :
الشيخ/محمد الدويش (بتصرف)
رابط الجــزء الأول : هنا
رابط الجزء الثاني : هنا