random
مقالات عشوائية :

العشر الأولى رحلت

الحجم
محتويات المقال
العشر الأولى رحلت


      ها هي العشر الأولى من شهر البركة -رمضان- قد رحلت عنا، ربح من ربح وخسر من خسر، علينا ان نحاسب انفسنا فيها ونجتهد اكثر في العشر الثاني لكي نستدرك ما فات وما ضاع منا سدى.
   انه حديث يخالج النفس في ثنايا هذا الوداع، إن ثمة تساؤلات عريضة تبعثها النفس في غمار هذا الوداع. تُرى ما ذا حفظت لنا؟ وما ذا حفظت علينا؟ 
ان كانت مساحة هذا الدين قد زادت من اهتماماتنا في شهر رمضان، فهذه بشرى سارة، واما ان كنا  نعيش لأنفسنا وذواتنا فعلينا استدراك الأمر في ما تبقى.
 إن العيش في حد ذاته يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات، ولا ينشأ الفرق إلا عندما تسمو الهمم، وتكبر الأهداف. وعلى أعتاب العشر الثانية آمل ألا يكون نصيبي ونصيبك قول الله عز وجل :  (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف).

1) نمودج من السابقين

    فالسابقون مضوا والسير حفظت لنا قول بكر بن عبد الله : من سره ينظر إلى أعلم رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى الحسن فما أدركنا أعلم منه، ومن سره أن ينظر إلى أروع رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ابن سيرين إنه ليدع بعض الحلال تأثماً، ومن سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا أعبد منه، ومن سره أن ينظر إلى أحفظ رجل أدركناه في زمانه وأجدر أن يؤدي الحديث كما سمع فلينظر إلى قتادة .

2) زيادة الثبات

    سؤال آخر يتردد على الاذهان حرارة الفرحة التي عشناها في مقدم رمضان تساؤلنا : هل لا زالت قلوبنا تجل الشهر؟ وتدرك ربيع أيامه؟ أم أن عواطفنا عادت كأول وهلة باردة في زمن الخيرات، ضعيفة في أوقات الطاعات، ورحم الله سلفنا الصالح فكأنما تقص سيرهم علينا عالماً من الخيال حينما تقول : قال الأوزاعي : كانت لسعيد بن المسيب فضيلة لا نعلمها كانت لأحد من التابعين، لم تفته الصلاة في جماعة أربعين سنة، عشرين منها لم ينظر إلى أقفية الناس. وكانت امرأة مسروق تقول : والله ما كان مسروق يصبح ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام، وكنت أجلس خلفه فأبكي رحمة له إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف كما يزحف البعير من الضعف .
قال أبو مسلم : لو رأيت الجنة عياناً أو النار عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو قيل لي إن جهنم تسعّر ما استطعت أن أزيد في عملي.
وكان يقول : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه، والله لأزاحمهم عليه حتى يعلموا أنهم خلّفوا بعدهم رجالاً.

3) محاسبة النفس

    وفي ظل هذه الأخبار تُرى كم من صلاة في الجماعة ضاعت منا؟ وكم نافلة في صراع الأعمال تاهت؟ تُرى كم من لحوم إخواننا هتكناها بأنيابنا؟ تُرى كم هي الخيانة التي عاثتها أعيننا في رحاب الحرمات. كم خطت أقدامنا من خطو آثم؟ كم من عالم الحرمات هتّكت فيه الأسوار بيننا وبين الخالق؟ والمعصية أياً كانت، حتى لو عاقرناها في ليالي رمضان فلا تبقى خندقاً تحاصركم، وهي كما قال بعض العلماء  : 'أي خلال المعصية لا تزهدك فيها؟ الوقت الذي تقطعه من نفيس عمرك حين تواقعها، وليس يضيع سدى، بل يصبح شؤماً عليك؟ أم الأخدود الذي تحفره في قلبك وعقلك ثم تحشوه برذائل الاعتياد والإلف السيئ والإدمان الخبيث، والذكريات الغابرة التي يحليها لك الشيطان ليدعوك إلى مثلها، ويشك إليها؟ أم استثقال الطاعة والعبادة والملل منها وفقد لذتها وغبطتها، أم إعراض الله عنك وتخليته بينك وبين نفسك حتى وقعت فيما وقعت، أم الوسم الذي تميزك به حين جعلتك في عداد الأشرار والفجار والعصاة، أم الخوف من تحول قلبك عن الإسلام حين تجد حشرجة الموت وكرباته وغصصه، فيا ويلك إن مت على غير ملة الإسلام!'.

4) الطريق الصحيح

    يجب على كل واحد منا ان يوجه سؤالا الى نفسه : ماذا قدمت لمجتمعي من خير وخاصة مجتمعي الصغير الذي هو الاسرة؟ أتمنى ان يكون كل واحد منا قد نجح في طريقة عرضه لهذا الدين القويم، فالبائع ينجح بقدر ما يحسن في طريقة العرض، ونحن أولى هؤلاء بحسن الطريقة، ونوعية التقديم للسلعة لأن سلعة الله غالية كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. علينا ان لا نخرج احدا من مساحة اهتمامنا سواء كان من اهل البيت أو جيران البيت  أو أقارب الأسرة لأنهم أولى الناس بالمعروف والنصح والإرشاد.
وكل ما أرجوه أن لا تخرج نفسك أخي الفاضل من قطار الدعاة والمصلحين والمربين أياً كنت، وفي ظل أي ظروف تعيش، فالمسؤولية فردية. وعندما نحسن فن التهرب من المسؤولية نكون أحوج ما نكون إلى من يأخذ بأيدينا، ويحاول إخراجنا من التيه الكبير .
يقول أبو إسحاق الفزاري : 'ما رأيت مثل الأوزاعي والثوري، فأما الأوزاعي فكان رجل عامة، وأما الثوري فكان رجل خاصة، ولو خيّرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي‘ .

5) استدراك ما فات

    وأخيراً، لقد رحلت العشر الأولى ولئن كنا فرطنا فلا ينفع ذواتنا بكاء ولا عويل، وما بقي أكثر مما فات، فلنري الله من أنفسنا خيراً، فالله الله أن يتكرر شريط التهاون، وأن تستمر دواعي الكسل، فلقيا الشهر غير مؤكدة، ورحيل الإنسان مُنتظر، والخسارة مهما كانت بسيطة ضعيفة فهي في ميزان الرجال قبيحة كبيرة. فوداعاً يا عشر رمضان الأول، ولنعالج انفسنا ان طال بنا العمر في العشر التالية لنستدرك ما فات والاجتهاد فيها.

   اسأل الله جلت قدرته أن يكتب لنا النجاة جميعا، وأن يجعلنا في زمرة الفائزين، وأن يعيننا على ما بقي من شهر الخير والبركة وان يلحقنا بالعشر الاواخر التي فيها ليلة القدر التي هي خير من الف شهر وان يعتق رقابنا جميعا في آخره. 

google-playkhamsatmostaqltradent