ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء يوم الجمعة 18 محرم 1435 الموافق ل 22 نونبر 2013 بعنوان "الاستقامة وشروطها" وهذا نصها :
الحمد لله
الذي جعل شريعة سيدنا محمد شريعة مثلى تنبني على أسس عظيمة من الاستقامة في
جميع الأحوال على منهج الله القويم الذي ارتضى لنا السير عليه لنكون بذلك الأمة
التي فضلها الله على سائر الأمم.
وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له بعث فينا سيدنا محمدا هاديا ومرشدا وأيده بالكتاب
المبين الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبيل السلام فيفتح البصائر وينفذ إلى
القلوب فيملؤها بنور الإيمان واليقين فتخضع لله رب العالمين.
وأشهد أن
سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه رسم للأمة الطريق السوي
المستقيم لا يزيغ عنه إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين استجابوا لربهم
وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وكانوا لربهم خاشعين
رضي الله عنهم أجمعين.
أما بعد فيا
امة القرءان ويا أتباع حبيب الرحمان. يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه: (إن
الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة
خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون).
ويقول سبحانه
أيضا : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا
تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا
وفي الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم).
عباد الله :
ان الله تعالى الذي خلق الخلق وقدر له أن يعيش على وجه هذه البسيطة، فرض عليه
وأوجب ما يجعله يسير فيها وفق نظام سماوي لا يقبل الجدل ولا يدخله الخلل لأنه
مسطور في كتاب مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم.
وفي الآيات
السابقة يدعونا ربنا إلى الاستقامة التي هي الدوام والاستمرار على نهجه وهديه في
هذه الأرض، والى الاستمرار في التقيد بأحكام الدين وتعاليمه والوقوف عند حدوده
والاستجابة لأوامره والانتهاء عن محارمه.
وان صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين فهموا عمق هذا المعنى وتشبعوا به كانوا
يبحثون عن الوسائل التي تجعلهم في هذا المسار. فهذا سفيان بن عبد الله التقفي رضي
الله عنه يقول : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحدا غيرك.
قال صلى الله عليه وسلم : " قل آمنت بالله ثم استقم "، وسئل
الفاروق عمر عن الاستقامة فقال : أن تستقيم على الأمر والنهي ولا ترُغ روغان
الثعلب.
ومن هنا نفهم
أن خلق الاستقامة يبعد صاحبه عن التلون والتقلب والنفاق والرياء وفي هذا المعنى
يقول ابن تيمية رحمه الله : ' الاستقامة
كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء
بالعهد. والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات'. ويقول ابن القيم :
'وأعظم الكرامة لزوم الاستقامة'.
ومما سقناه
يتجلى لنا أن فضيلة الاستقامة هي التي تجعل صاحبها على الدوام يحاسب نفسه، ويراقب
ربه، ويلتزم صراطه. وان أولى علامات محبة الله تبارك وتعالى دوام الاستقامة، فان
دامت استقامة المؤمن أثمرت ثمراتها الطيبة من كثرة الشوق إلى الله والحرص على
مرضاته والخوف من غضبه والرجاء في رحمته ومغفرته والرضا بقضائه، فلننظر إخواني إلى
أحوالنا وسلوكنا، فهل تبرز فينا هذه العلامات؟ هل نحاسب أنفسنا على ما
نرتكبه بالليل والنهار؟ هل نراقب ربنا في كل معاملاتنا اليومية من تجارة
وعمل تقوم عليه حياتنا؟ هل نلتزم صراطه المستقيم المستمد من كتاب الله العظيم وسنة
رسوله الكريم؟ إن ما تسفر عنه الأجوبة المتعددة والمتباينة لاختلاف أعمالنا
ومستويات إيماننا، وقدرتنا على التحمل والصبر لا يحتاج الله منه إلى قليل أو كثير،
لأننا نحن الذين نحتاج إلى فضل الله وإحسانه، يقول تعالى : ( إن أحسنتم
أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) بمعنى أن
الإنسان هو الذي يجني ثمرة استقامته إن هو استقام والقرآن الكريم يوضح في أجلى
بيان أن الاستقامة هي صراط الله القويم الذي لو اتبعه المؤمنون لم يتفرقوا ولم
ينحرفوا، يقول تبارك وتعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا
السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
أيها
المؤمنون: إن من رزقه الله الاستقامة فقد رزق الخير كله. إذ أن الله أجرى طلبها
على لسان المؤمن في كل ركعة يصليها في ليله ونهاره حتى يلتزم الاستقامة فتصبح خلقا
له فهو كلما توجه إلى ربه في صلاته هتف داعيا : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط
الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
جعلني الله
وإياكم ممن هداهم إلى صراطه المستقيم ووفقني وإياكم إلى الثقة بالله والتوكل عليه.
ورزقنا معرفته وخشيته والإخلاص في التوجه إليه وعبادته وحسن طاعته وغفر لنا ذنوبنا
وستر عيوبنا انه ولي الأفضال والأنعام آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين.