القى الاستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم 28 جمادى الاولى 1441 الموافق ل 24 يناير 2020 بعنوان : "انواع القلوب"، وهذا نصها :
الحمد لله العالم بأحوال عباده ومصرف قلوبهم
لما شاء وكيفما أراد سبحانه وتعالى.
جعل قلوب العارفين
لاهجة بذكره وشكر آلائه وأنعم عليهم بصدق التوجه والإيمان ووفقهم لكل عمل صالح
يقربهم إلى مرضاة الله.
وأشهد أن لا إله الله
الواحد الأحد الفرد الصمد، لا شريك له في تدبير أمور عباده يتبث من شاء بهم الخير
ويلهمهم العمل لمرضاته.
وأشهد أن سيدنا
ومولانا محمدا عبده ورسوله دعا الى عبادة الله بالحكمة والموعظة الحسنة مستعملا كل
ما اكسبه الله من قوة الحجة والبرهان، وخلق من اتباعه خير أمة أخرجت للناس صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فقد خلق الله
لعباده قلوبا تملك من التأثير على حياة الناس بحركاتها وتقلباتها في تصريف الأمور لتستقر
حياة الإنسان على أي حال. والموفق من دفع قلبه إلى الاستقرار وهو خال من كل العلل والأمراض
بعيدا عن كل الاكدار والأحزان وما يدفع إليها. والكل يطمع في ان يعيش هذه الحالة
ليكون على نور من ربه ويعلم ان الويل للقلوب القاسية.
ومن المعلوم أن
الإنسان إما أن يعيش بقلب راض خاشع يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، وإما أن يعيش بقلب
ميت قد اتخنته المعصية بالجراح حتى ادركه اجله ومصيره المعلوم، وقد تدفعه أعماله إلى
دائرة من القسوة والنفاق والحسد وغيرها من أمراض القلوب الفتاكة، وهذا حال العديد
من الخلق الذين تحن دعوتهم إلى الإسراع
بإخراج قلوبهم من الظلمات إلى النور والقيام بعملية إسعاف فورية ينقدون بها
أنفسهم قبل أن تضيع بالموت وعلى الإنسان أن يبدأ عملية الإصلاح بتنقية القلب لأنه
سيد الأعضاء والقيم عليها ومحركها وآمرها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن
في الجسد مضغة لو صلحت لصلح الجسد كله ألا وهي القلب" صدق رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فإذا كانت جميع الأعضاء بمشيئة الله وهي عبيد للقلب وهو سيدهم المسيطر،
فإذا اعوج فكيف حال باقي الأعضاء مع العلم أن القيمة العظمى لهذا القلب السليم ستختفي
يوم القيامة (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). وإن كل من
داوم على ما يصلح قلبه ويحفظه من كل الاغيار وما يقربه من ربه ضمن ما بشر به رسول
الله من جنات الخلود حينما قال : "بان أول زمرة يدخلون الجنة لا اختلاف بينهم
ولا تباعض، قلوبهم على قلب رجل واحد". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أيضا : "يدخل الجنة اقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير" وذلك لأنهم جاهدوا
على طريق الهداية وطهارة القلوب في الدنيا فكانت مكانتهم من جنس أعمالهم، اليس وقد
طلبوا من ربهم ذلك قال تعالى : (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من
هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا، ويوترون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة). هكذا كان حالهم في الدنيا، وقد أكرمهم الله بما طلبوا وتمنوا، فقال تعالى :
(ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين).
وإن طهارة القلب هي
التي تدفع بصاحبها فتكون سببا في قبوله للأعمال الصالحة لان الله يقبل العمل ما
صاحبته نية صالحة، وقد ورد ان أهل الشحناء والبغضاء موقوفون عن القبول حتى يتم
الصلح بينهم قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : "تعرض الأعمال كل اثنين
وخميس فيغفر الله تعالى في ذلك لكل امرئ لا يشرك بالله، إلا امرؤ كانت بينه وبين
أخيه شحناء، فيقول انظروا هاذين حتى يصطلحا".
واعلموا إخواني أن
القلوب معرضة دائما لأمراض مهلكة لا يشفي منها إلا عصمة الله، روى حذيفة بن اليمان
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تعرض الفتن على القلوب
كالحصير عودا عودا فأي قلب اشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب انكرها نكت فيه
نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على ابيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات
والأرض والآخر اسود لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه".
اللهم لا تجعلنا من أهل
القلوب المريضة التي تكره أهل الحق وتضيق بهم وتأنس بأهل المعصية والمذنبين.
اللهم اجعلنا ممن يحن إلى
الطاعة ويهواها ويعمل لها، اللهم وفقنا لكل عمل صالح يجعلنا متعلقين بك لتوفقنا إلى
توبة نصوح تجعلنا منيبين إليك لترضى عنا
يا كريم.
وآخر دعوانا الحمد لله
رب العالمين