ألقى الأستاذ
فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم الجمعة 18 ذو القعدة 1438 الموافق ل
11 غشت 2017 بعنوان'الاخلاص في الحج'، وهذا نصها :
الحمد لله الحمد لله الذي جعل الإقبال على بيته الحرام
كلية والاعراض عما في الدنيا من مباهج ومتع، وإقبالا على ما عند الله وعلى ما في
الدار الآخرة من نعيم مقيم خالد لا يفنى ولا يبلى، وعند الله مغانم كثيرة يسعى لها
العباد في مواسم الخير كحج بيت الله الحرام، واشهد ان لا اله الا الله وحده
لا شريك له، أمرنا أن نجعل كل أعمال الحج خالصة لله وحده حيث قال : (وأتموا
الحج والعمرة لله) وقال سبحانه : (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج
البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم).
وأشهد ان سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه
وحبيبه القائــل: "خذوا عني مناسككم فإنكم على إرث من أبيكم
إبراهيم" اللهم صل وسلم على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فان إخلاص العبادة لله في الحج يتطلب :
- 👈السعي
لنيل رضى رب العالمين.
- 👈الخوفَ والحذر من ان يتعرض العبد لسخط الله.
- 👈التوبة من كل الذنوب والخطايا.
- 👈تبرئة الذمة من المتعلقات الدنيوية.
- 👈تحري ان يكون المال الذي ينفق في الحج حلالاً طيبا لان الله طيب لا يقبل الا طيبا.
كما أن على الحاج أن يتذكر أنه خلف وراءه أهله وماله
وربما خلف وصيته من ورائه وهذا من الأمور المستحبة لان الحاج مودع وقد لا يرجع اذا
أدركته المنية والظاهر ان الحاج يترك وراءه أمور الدنيا ويقبل على أمور الآخرة،
وهذه أيها الإخوة المؤمنون صورة إيمانية في فرائض الله على عباده سبحانه
وتعالى. فليتذكر المقبل على الحج والذي يتمناه انه سيترك الدنيا بما فيها من الأهل
والأموال والأولاد ويقبل على الله تماما ليغنم فضله قبل أن تأتيه المنية فليحرص
على التوبة قبل أن يأتيه الأجل ويقبل على الآخرة وهو يخشى ما فيها من الحساب
والعقاب. لذا فان أعظم ما ينبغي للحاج تذكره قبل إقدامه على حجه انه لابد أن يترك
دنياه ويقبل على الله في رحلته قبل ان يترك الدنيا نهائيا يوم تأتيه المنية وقد
يندم على ما فات ولا ينفع الندم على ما فرط. أفلا يستعد الحاج الذي
يقبل على الله بكلية ليصلح ما بينه وبين الله استعدادا للرحلة إلى الدار الآخرة
والله تعالى يقول : (وتزودوا فان خير الزاد التقوى)، وبعد فما بال الحاج
يعطي الاهتمام لرحلته إلى الحج ويستعد كل الاستعداد وينسى ان الدنيا كلها
وأن حياته فيها إنما هي ممر إلى الآخرة دار القرار وأنها رحلة لابد فيها من اختيار
الأصحاب الأخيار واتقاء الأشرار والمزالق والمهاوي والأخطار، فما بالنا إخواني
نعطي ونصرف الهم الأكبر في القليل ثم لا نولي الاهتمام إلى ما هو جدير بالاهتمام
والعناية والرعاية. فلا بد للحاج من ذكر هذه المعاني كلها وان يستحضر الإقبال
على الله تبارك وتعالى في كلتي الحالتين، ورحم الله القائل:
حين ارتديت
ملابسَ الإحرام
راجعت ما أسلفت من أيام
كم مرة بعت
القناعة والرضى
وجمعت أرصدة مـــن الأوهام
وأصبحت من اكل
الحرام محللا
في الصاحب المزعوم كلَّ حرام
ساويت في
التقدير دون بغاضة
بين التقـي وقاطع الأرحام
كان المؤذن إن
تعالى صوته
الله اكبـر معشر النوام
أقنعت نفسي ان
ما استمعته
قد كان أضغاثا من الأحلام
وإذا اتى شهر
الصيام لقيتـه
ضيفا ثقيلا ذاك كان صيام
هذا شقي الأمس
قد كنته
أعمى يجدف في خضم ظلام
واليوم قد كشف
الغطاء فجئتكم
الذنب خلفي والرجاء أمامي
فاغفر اله
العالمين لتائب
لبس الضلال ولج في الآثام
يا رب إني قد
خلعت ضلالتي
لما لبست ملابس الإحرام
هذه معاني عظيمة ينبغي استشعارها حينما يخلع الحاج ملابس
الدنيا ويلبس ملابس الإحرام انه يتجرد من معنى الدنيا ويكتسي حلة الطاعة
والإيمان ويتحقق بلب الإخلاص لله رب العالمين الذي سهل له الرحلة وحباه طيب
المقام.
إن فريضة الحج العظيمة هي موسم من مواسم الطاعة والتقوى،
والتقوى كما نعلم تكمن في القلب والنفس أي في الباطن لا في الظاهر
فلنتأمل هذه الوقفات من التذكر لتصحيح النية والمقصد لله ولنصدق في التوبة
للذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير وهناك وقفة أخرى مهمة وهي أن يعلم
الحاج انه بعضٌ من كل وانه فرد في امة حينما يَتحرك ويسمع التكبير والتهليل
يدوي هديرها في أجواء الفضاء وحينما تتلاقى الأصوات بصدق ومن أعماق مشاعرها
وقلوبها فإنها تعطي صورة عظيمة لهذا التجمع الكبير وتعطي صورة
الوحدة الظاهرة التي نطمع أن تكون صادقة في كل الأمم والشعوب، وتعطي صورة
للتآلف والمحبة الصادقة والأخوة الإيمانية التي مصداقها قول الله تعالى :
(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"مثل المومنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى
له سائر الجسد بالسهر والحمى"، وقد بين الله هذا المعنى لرسول
الله في القرءان العظيم حيث قال: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في
الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم)، وعلى هذه المعاني
نرجو من الله العظيم، أن يؤلف بين قلوب المسلمين حتى تتراص الصفوف وتتشابك الأيدي
وتوحد الرايات حول لا اله إلا الله محمد رسول الله وتجتمع القوى على منهج
الله سبحانه وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباستجلاء هذه المعاني نسأله
سبحانه أن تتوحد القلوب
وتمتلئ حبا ومودة، وان يبعد عنها الحقد والشك والبغضاء حتى تكون جديرة بوصف الله
لهذه الأمة مصداقا لقول الله عز وجل : (كنتم خير امة أخرجت للناس تامرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
ولنجعل مسك
الختام هذا الدعاء الرباني الكريم : (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم) صدق الله
العظيم والحمد لله رب العالمين.