ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة
بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم الجمعة 17 ذي الحجة 1438 الموافق ل 08
شتنبر 2017 بعنوان 'قيمة الانسان في المجتمع الاسلامي'، وهذا
نصها :
الحمد لله الحمد لله الذي جعل قيمة الانسان متساوية في
المجتمع الاسلامي اذ ليس لاحد فضل على أحد الا بتقوى الله والعمل الصالح. وأشهد ان
لا اله الا الله وحده لا شريك له خلقنا من ذكر وانثى وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف
ونتعامل على أسس من الكرامة والاحترام.
واشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل لا فضل لعربي
على عجمي ولا لأحمر على أسود الا بالتقوى فنفى بذلك ان يمتاز أحد على أحد في حق او
واجب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا خير هداة وقادة رضي الله عنهم
اجمعين.
اما بعد: فيا أمة الاسلام ويا اتباع سيدنا محمد خير
الانام. لقد آن للمسلمين ان يستيقظوا من سباتهم ويتفهموا واجباتهم نحو المجتمع
الاسلامي الذي تتآلب عليه الظروف، وتتكالب الاطماع لتقسيمه والقضاء عليه.
هذا المجتمع الذي اسسه منقد البشرية صلى الله عليه
وسلم على أسس متينة من العدل والمساواة والحرية. وضمن الله لهذا المجتمع الأسس
التي تعطي الكرامة لسائر البشر. لقد استطاع الاسلام ان يروض مجتمعه على العدل
والمساواة وان يثبت فيه جدورها وان يعلن الحقيقة الاساسية الكبرى متجاوزا كل نزعات
الاستعلاء بعيدا عن كل غرض الا نصرة الانسانية واستجلاء حقيقتها مشرقة اصيلة.
قال تعالى: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر
وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).
لقد محقت هذه الآيات التفاضل بين بني البشر وجعلت لذلك
اساسا واحدا عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عليه الصلاة والسلام:
"لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود الا بالتقوى". لقد جعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم المساواة اساسا للدعوة الاسلامية في كل المجالات
ليأسس بذلك مجتمعا حرا في عقليته وفكره، وكان يصدع بذلك حتى في أحلك الظروف
واعصبها حماية لحقوق الضعفاء والمستضعفين فعندما استكبر الاقوياء من قريش
واستعظموا ان يساويهم الاسلام بالعبيد والضعفاء في استقبال الوحي وهداه وعز عليهم
ان يجلسوا معهم في مجلس واحد فرغبوا الى الرسول ان يميزهم في المجلس وان يخصهم
بالدعوة في يوم لا يشاركهم فيه الاذلاء والمستضعفون لكن الرسول الاعظم صلوات
الله وسلامه عليه لم يجبهم لذلك لأن الآيات المحكمات تواكب سير الدعوة الاسلامية
وتخط لها الطريق الواضح فهذا كتاب الله يخاطب حبيبه المصطفى : (واصبر نفسك مع
الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة
الحياة الدنيا، ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا وقل
الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر).
ان دعوة الاسلام دعوة الى الانسانية جمعاء، والناس فيها
سواء ولا عظمة ولا جلال الا لله الواحد القهار الذي يملك مقاليد امور العباد فله
وحده الخشية والخضوع المطمئن للقلوب قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر
الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ان القلوب المؤمنة تطمئن ولا تخاف (فمن
يومن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا) لان ايمانه بربه كفاه التملق والتزلف الى
غيره من البشر.
لأن البشر لا ينبغي لهم من ذلك شيء ما داموا لا يملكون لأنفسهم
فأحرى لغيرهم ضرا ولا نفعا مع انهم يتوهمون انهم يستطيعون متجاهلين قوة
العزيز الجبار، والاسلام يفهمنا ان لا معنى ان يسلب الانسان حرية اخيه
الانسان إرضاء للغرور واستطالة بغير حق على حرمات بني الانسان تحقيقا للأطماع
الدنيئة لفئة طاغية من بني الانسان وذلك ما يقع في كثير من بلاد
الاسلام التي تطاولت عليها الاطماع من كل الفئات المعادية للإسلام، والتي تخطط
لعدائها وتتخذ له كل الوسائل التي تملكها من فرض الوسائل الاستعمارية وتقسيم
الشعوب واستعباد الأمم واغتصاب الارض، وما تم لهذه الدول الطاغية ذلك الا عندما
خلقت في المسلمين روحا انهزامية ادكتها عن طريق القوميات المختلفة التي
اصبحت متارا للجدل والاختلافات والانتماءات الى المعسكرات الكافرة التي لن نقضي
عليها الا بتكتلنا ووحدة صفنا ووعينا بالدور الذي يجب ان يلعبه المسلمون وهم قوة
في مواجهة التيار لمحاربة من يريد القضاء على الاسلام بقمع المسلمين واختبارهم في
عقيدتهم بشتى انواع البلايا.
وبعد، فهل من راجع ومتعظ راجع الى تاريخ الاسلام ليرى ما
قدمه الاولون في سبيل نصرة الدين وحماية الملة مسترخصين في سبيل ذلك دماءهم
واموالهم غير مبالين بجاه او مال او متاع طالبين الشهادة في سبيل الله فكتب الله
لهم الحياة الكريمة، ولنا في مظهر اجتماع المسلمين في موسم الحج الأعظم الذي تتوحد
فيه القلوب حول هدف واحد هو عبادة الله سبحانه الحق. وأبرز مظهر من مظاهر الوحدة
الاسلامية على اختلاف الاجناس أصل ينادي لبيك ربنا، لبيك اللهم لبيك لا نعبد الا
اياك ولا نستعين الا بك يا رب العالمين.
نسأله سبحانه ان يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعونه
أحسنه كما نتضرع اليه ان يلهمنا الاتحاد والألفة حول كلمة سواء لا اله الا
الله محمد رسول الله لنتمكن من خوض معاركنا تحت لوائها الخالد الذي كتب الله به
النصر للمسلمين يوم ان اخلصوا النية لله عاملين ابتغاء مرضاته.
اللهم شد أزر العاملين لتحرير بيت المقدس وفكه من رقبة
الاحتلال الصهيوني الغاشم، يا مجيب السائلين يا رب العالمين آمين آمين وآخر دعوانا
ان الحمد لله رب العالمين.