هناك منا من وصل للربع الأخير من عمره أو ما يُسمى بخريف العمر، فالأعوام ذهبت وأخذت معها الشباب والقوة، كنا في السابق نرى كبار السن، ونعتقد أننا لن نكون مثلهم، ففي الربع الأول من العمر القوة والعنفوان، كنا نَظن أن الربع الرابع بعيد جدا عنّا، ولم نتخيّل أننا سائرون إليه بسرعة لم نتوقعها، وكنا نظن أن وصول هذا الربع إلينا سيكون بطيئاً لأنه تفصله عنا سنين عديدة، ولكن ها هو قد وصل إلينا، فبتنا نرى أصدقاؤنا شِيّبَاً، يتحركون أبطأ منّا، بعضهم أفضل منّا، وبعضهم أسوأ منّا.
1) النعم كثيرة :
قال تعالى في محكم التنزيل : (وإن تَعُدُوا نِعمَة الله لا تُحصُوها، إن الإنسان لَظَلُومٌ كَفّار) سورة إبراهيم الآية 34.
لقد أصبحنا نغفو بمكاننا دون رغبتنا، ولكن صرنا نُقدر النِعَم التي نَرفُلُ بها أكثر من سابق عهدنا، فأصبح:
-النوم بلا أدوية نِعمَة
-وعدم إحتياجنا للطبيب نِعمَة
-وأكلنا لبعض أصناف الطعام نِعمَة
-وسيرنا بلا مساعد نِعمَة
-وإنعدام الآلام والأوجاع نِعمَة
-وتذكّر الأشخاص والأيام نِعمَة
-ودخولنا الحمام بمفردنا نِعمَة
-وسماعنا لأصوات من هم حولنا نِعمَة
-وإحساسنا بكل ما حولنا نِعمَة
-وخروج الأذى منّا طبيعيّاً نِعمَة
-ورؤيتنا لما حولنا نِعمَة
-وتنفسنا للهواء الذي حولنا نِعمَة
-وشعورنا بروائح العطور حولنا نِعمَة.
2) الإسراع الى التوبة :
هناك من أشرف على الربع الرابع من حياته أو فيه أو تجاوزه، ولا نعلم طول هذه المدة، والتي من المؤكد أنها ستنتهي عنّا، وستأتي بعدها محاسبة على كل ما سلف، إن خيراً فخير
وإن شرّاً فَشرّ والعياذ بالله، ولكن والحمد لله نحن ما زلنا أحياء، الباب ما زال أمامنا مفتوحاً لنكفر عما حصل منّا من ظلم لغيرنا و لأنفسنا، فكم ندمنا على أفعال لو لم نفعلها، وأفعال لم نفعلها لو أننّا فعلناها، وأفعال نحمد الله أننا فعلناها.
فالآن ما يُعَدُ حسناً علينا فِعلُه، فلا تأجيل للعمل الحسن بعد اليوم، فالحياة تمضي مُسرعةً، ولا نضمن لإنسان الوصول للربع الرابع، فلا وعد لأحد بالمرور على جميع الفصول في الحياة، فكم من أناس عاشوا الربع الأول فقط، وآخرون عاشوا للربع الثاني فقط، وآخرون عاشوا للربع الثالث فقط، وها نحن والحمد لله أدر وآخرون عاشوا للربع الرابع وقليل من يتجاوز في حياته.
3) العذر لا يقبل :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعذرَ اللهُ إلى امرئ أخَّر أجلَه حتى بلغَ ستِّين سنةً" رواه البخاري.
أي لم يترك له عذرٌ إذ أمهَلَهُ هذه المدةَ وأوصله لهذا السن، فهو يكون قد بلغَ غايةَ العُذر ولا عُذر له بعد ذلك إن لم يَتُب ويُحسن العمل، فعلينا الآن فعل كُلَّ خير ولو كان صغيرا، وما نريد بأن يتذكره أحباؤنا منّا، فنحن في واقع حياتنا، قد نتخلّى عن ملابس قديمة نملكها، ولكن ليس كل قديم فيه المَلَل، ففي بعض الأشياء القديمة نِعمَة، وأفضل هذه النِعَم هم الأصدقاء الصادقون، فكلما قَدِموا وطال بنا مَعشَرُهم، زاد تألقهم وبهاؤهم، فلنتمسك بأصدقائنا القدامى، ولنحافظ عليهم، فقلّمَا نَجِدُ اليوم صديقاً صَدُوقاً.
4) حكمة :
ونختم هذا الموضوع بحكمة جميلة ورائعة لعل كل واحد منا يعمل بها ويضعها نصب عينيه لكل لا يضيع اية دقيقة في عمره :
'نحن لا نستطيع أن نضيف وقتاً إلى حياتنا، لكننا نستطيع أن نضيف حياةً إلى وقتنا'.
ارجو من الله عز وجل أن يوفقنا في ما بقي من أعمارنا ويبصرنا بعيوبنا لكي يتضح لنا الطريق السوي لكي نتوب الى الله توبة نصوحا وأن يحسن خاتمتنا بصالح الأعمال.