يحكى أن ثلاثة رجال ساروا في طريق فعثروا على
كنز، واتفقوا على تقسيمه بينهم بالتساوي، وقبل أن يقوموا بذلك أحسوا بالجوع
الشديد، فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعامًا، وتواصوا بالكتمان، حتى لا
يطمع فيه غيرهم، وفي أثناء ذهاب الرجل لإحضار الطعام حدثته نفسه بالتخلص من
صاحبيه، وينفرد هو بالكنز وحده، فاشترى سمًّا ووضعه في الطعام، وفي الوقت نفسه،
اتفق صاحباه على قتله عند عودته؛ ليقتسما الكنز فيما بينهما فقط، ولما
عاد الرجل بالطعام المسموم قتله صاحباه، ثم جلسا يأكلان الطعام؛ فماتا من أثر
السم.. وهكذا تكون نهاية الطامعين وعاقبة الطمع.
تعريف القناعة :
القناعة هي الرضا بما قسم الله ولو كان
قليلا، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، وهي علامة على صدق الإيمان.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا،
وقَنَّعه الله بما آتاه" رواه مسلم.
ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرضى بما عنده، ولا يسأل أحدًا شيئًا،
ولا يتطلع إلى ما عند غيره، فكان صلى الله عليه وسلم يعمل بالتجارة في مال
السيدة خديجة رضي الله عنها فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال،
وكانت تُعْرَضُ عليه الأموال التي يغنمها المسلمون في المعارك، فلا يأخذ منها
شيئًا، بل كان يوزعها على أصحابه.
وكان صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير، فرآه الصحابة وقد أثر الحصير في
جنبه، فأرادوا أن يعدوا له فراشًا لينًا يجلس عليه؛ فقال لهم : "ما لي
وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم
راح وتركها".
اقوال في القناعة :
* قال أبو ذر رضي الله عنه : أوصاني رسول الله
أن لا انظر إلى ما هو فوقي و أن لا انظر إلى ما هو دوني وأوصاني بحب المساكين
و الدنو منهم.
* قال ابن المقفع إن القناعة هي الاكتفاء بالموجود وترك التشوق إلى
المفقود.
* قال أحد الحكماء : من أراد أن يعيش
حرًّا أيام حياته؛ فلا يسكن قلبَه الطمعُ.
* قال أيضا أحد الحكماء : سرور الدنيا أن
تقنع بما رُزِقْتَ، وغمها أن تغتم لما لم ترزق.
* قيل : عز من قنع، وذل من طمع.
* وقيل ايضا : العبيد ثلاثة : عبد رِقّ،
وعبد شهوة، وعبد طمع.
* قال الشاعر :
هي
القناعة لا ترضى بها بدلا
فيها
النعيم وفيها راحة البــدنِ
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفنِ
* قال ابن السني في كتابه القناعة :
القناعة الرضا بالقسم أي بالنصيب.
* قال الراغب في كتاب موسوعة نضرة
النعيم : القناعة الاجتزاء باليسير من الأغراض المحتاج إليها
.
* قال الجاحظ
: القناعة هي الاقتصار على ما سنح من العيش و الرضا بما تسهل من
المعاش و ترك الحرص على اكتساب الأموال وطلب المراتب العالية مع الرغبة في جميع
ذلك وإيثاره والميل إليه وقهر النفس على ذلك والتقنع باليسير منه.
* قال المناوي
: القناعة عرفاً : الاقتصار على الكفاف، وقيل الاكتفاء بالبُلغة،
وقيل سكون الجأش عند وعدم المألوفات، وقيل الوقوف عند الكفاية.
مراتب القناعة :
لقد قسم الماودي القناعة الى ثلاث مراتب وهي : المرتبة الأعلى : أن يقتنع بالبُلغة من دنياه ويصرف نفسه
عن التعرض لما سواه.
المرتبة الأوسط : أن تنتهي
به القناعة إلى الكفاية ويحذف الفضول والزيادة.
المرتبة الأدنى : أن تنتهي
به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه و إن كان
كثيراً، ولا يطلب ما تعذر وإن كان يسيراً.
آثار القناعة :
من آثار القناعة على العبد :
1- امتلاء القلب بالإيمان بالله سبحانه وتعالى والثقة به والرضا بما قدر وقسم.2- الحياة الطيبة.
3- تحقيق شكر المنعم سبحانه وتعالى.
4- الفلاح والبشرى لمن قنع.
5- الوقاية من الذنوب التي تفتك بالقلب وتذهب الحسنات كالحسد والغيبة والنميمة والكذب.
6- حقيقة الغنى في القناعة.
7- العز في القناعة والذل في الطمع.
8- القانع تعزف نفسه عن حطام الدنيا رغبةً فيما عند الله.
9- القنوع يحبه الله ويحبه الناس.
10- القناعة تشيع الألفة والمحبة
بين الناس.
من الأسباب المؤدية للقناعة :
1- الاستعانة بالله والتوكل عليه والتسليم
لقضائه وقدره.
2- قدر الدنيا بقدرها وإنزالها منزلتها.
3- جعل الهمّ للآخرة والتنافس فيها.
4- النظر في حال الصالحين وزهدهم وكفافهم وإعراضهم عن الدنيا
و ملذاتها.
5- تأمل أحوال من هم دونك.
6- مجاهدة النفس على القناعة و
الكفاف.
7- معرفة نعم الله تعالى و التفكر فيها.
8- أن يعلم أن لبعض النعيم ترة ومفسدة.
9- أن يعلم أن في القناعة راحة
النفس وسلامة الصدر واطمئنان القلب.
10- الدعاء.
11- تقوية الإيمان بالله تعالى، وترويض القلب
على القناعة والغنى.
12- اليقين بأن الرزق مكتوب والإنسان في رحم
أمه .
13- تدبر آيات القرآن العظيم لا سيما التي
تتحدث عن الرزق والاكتساب.
14- معرفة حكمة الله تعالى في تفاوت الأرزاق والمراتب
بين العباد.
15- العلم بأن الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من
قوة الذكاء وكثرة الحركة وسعة المعارف.
16- العلم بأن عاقبة الغنى شر ووبال على صاحبه
إذا لم يكن الاكتساب والصرف منه بالطرق المشروعة.
17- النظر في التفاوت البسيط بين الغني والفقير
على وجه التحقيق.