random
مقالات عشوائية :

حسن الرجاء وطرق تحقيقه

الصفحة الرئيسية
حسن الرجاء وطرق تحقيقه

حسن الرجاء وطرق تحقيقه


تمر بنا جميعًا أياما يكتنفها الحزن والهم واليأس والإحباط، أيام نستشعر فيها هواننا وانهزامنا. فبين مريضٍ مُتعَب، ومبتلى قد أنهكه الحزن والألم، وشعور عام بالإحباط والانهزام النفسي.
وفي خِضَم هذه المشاعر المُنهَكة والمشاكل المتتالية، ينبعث شعاع من نور الأمل من الحليم الكريم، فيصف لنا سبحانه دواء تأبى الأمراض و الأسقام إلا أن تضمحل تحت مفعوله. فينقشع الظلام وتدب الحياة وتعلو الهمم؛ إنه بلسم وترياق حسن الرجاء بالله تعالى.

أيها العبد المذنب، إن الله قد اصطفاك لتكون من أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم، على الرغم من ذنوبك ومعاصيك، جعلك من خير أمة أُخرِجَت للناس و مَنَّ عليك بدين الإسلام العظيم مصداقا لقول الله تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر) آل عمران الآية 110. وطالما تسعى لمرضاة ربِّك، سينصرك ولن يُضيَّعك أبدًا.
فإياك واليأس من رحمة الله عزَّ وجلَّ، فإنه من أكبر الكبائر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الكبائر : الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله" رواه البزار وحسنه الألباني، وقال تعالى : (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف الآية 87.
فيا أيها اليائس من كثرة معاصيك، ومن شدة الابتلاءات التي تعتريك، داوي قلبك بترياق حسن الرجاء بالله تعالى.
كان فتح الموصلي يقول :  'كَبُرَت عليَّ خطاياي وكَثُرَت حتى لقد آيستني من عظيم عفو الله عزَّ وجلَّ، وأني آيس منك، وأنت الذي جُدت على السحرة بعد أن غدوا كفرة فجرة، وأني آيس منك، وأنت ولي كل نعمة، وأني آيس منك، وأنت المؤمل لكل فضل ومعروف، وأني آيس منك، وأنت المغيث عند الكرب'، ولم يزل يقول : آيس منك، حتى سقط مغشياً عليه.
وعن المزني قال : ‘ دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت : يا أبا عبد الله! كيف أصبحت؟ فرفع رأسه، وقال : أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها، أو إلى نار فأعزيها، ثم بكى وأنشد يقول :
        وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِــي
                      جَعَلْتُ رَجَائِي دُوْنَ عَفْوِكَ سُلَّمَا
        تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُـــــهُ 
                       بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَـا
        فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ 
                      تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَـــــــــــــا 
وهكذا المؤمن كالطائر يطير بجناحين؛ جناح الخوف وجناح الرجاء ورأس الطائر هو محبة الله عزَّ وجلَّ. ولكن هناك فرقٌ بين الرجاء والتمنِّي، فالذي لا يجتهد ويأخذ بالأسباب ويرجو رحمة الله، فهذا هو المُتمنِّي.
ومثله المغرور المُنهمك في المعاصي ولا يسعى للتوبة الصادقة، ومع ذلك يطمع في مغفرة الله! يقول ابن حجر : 'والمقصود من الرجاء :أن من وقع منه تقصير، فليُحسِن ظنَّه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيًا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور، وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي : 'من علامة السعادة أن تُطيع، وتخاف أن لا تُقْبَل. ومن علامة الشقاء أن تَعْصي، وترجو أن تَنْجو’ فتح الباري.

فكيف السبيل إلى تحقيق حسن الرجاء؟
إن أسباب تحقيق الرجـاء كثيرة وعظيمة، والأعظم منها أن نستشعرها بقلوبنا ونعمل بها، ومنها :

1-          أحسن الظن بالله 

يقول الله في الحديث القدسي : "أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًا فله" رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني.
حين تضيق بك الدنيا وتصل إلى أعلى مراتب العجز، حين تستشعر انك لن تنجو إلا برحمة الرحيم الرحمن، أحسِن ظنَّك بربِّك واعلم يقينًا أنه لن يخذلك، وسيتوب عليك ويعفو عنك. 
قال تعالى : (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم ) التوبة الآية 118.

2- تحقق من سعة عفو ومغفرة الله

تيَّقن أن الله تعالى غفور غفار مهما كانت ذنوبك ومعاصيك، فهو القادر على مغفرة ذنوبك كلها طالما أنك لا تُشرك به شيئًا، يقول تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر الآية 53،
وعن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "قال الله : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي .. يا ابن آدم  إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة"رواه الترمذي وحسنه الألباني.

3- تحقق من سعة رحمة الله

ان رحمة الله وَسِعَت جميع خلقه، البرَّ منهم والفاجر  يقول تعالى : (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الأنعام الآية 12، قال الطبري : 'وقوله : (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) يقول : قضى أنَّه بعباده رحيم، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة‘.

4- تعرَّف على الربِّ المؤمن 

 ان اسم الله المؤمن يدل على أنه سبحانه يؤمِّن عباده المؤمنين من العذاب، قال تعالى  : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)  الحج الآية 38

5- اعرف واستشعر كرم الله 

عدد نعم الله عليك التي لا تُعد ولا تحصى، واستشعر كرمه معك سبحانه، ومَنَّهُ عليك بعظيم النعم والخيرات. كل هذا يجعلك تُحقق الحب التام والذل التام والتعلق بالله عزَّ وجلَّ، فيتحقق رجاؤك في عفوه ورحمته.


6- علامات تحقيق حسن الرجاء

ولكل محبط يائس نقول : خذ بهذه الأسباب السالفة الذكر تجد لليأس مخرجًا ومن الإحباط مفرًا ومهربًا، ولتحقيق حسن الرجاء علامات -لتعرف إن كنت ترجو رحمة ربِّك بحق، أم أنك مغرور ومُتمنِّي- ومنها :

أ) الصبر على البــلاء

فإذا كنت ترجو الله حقًا وتتعلق برحمته الواسعة، فلن تشعر بعظم البلاء، بل ستهون عليك الصعاب وتذوب أمام عزمك وثقتك بالله، جبال المعاصي وجدران الأزمات.

ب) المبادرة إلى الطاعات 

ان أهل الرجاء هم أهل العمل، الذين يفعلون ما أمرهم الله ويجتنبون نواهيه رغبةً في رحمته وغفرانه، كما وصفهم الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة الآية 218


7- علامات أهل الرجاء

ولكي تكون من أهل الرجاء عليك أن تتخذ القرار بالتغيير وتبدأ في زيادة رصيدك الإيماني، وهذا يكون عن طريق الالتزام  ب :
-       أداء الصلوات المفروضة في وقتها وفي جماعة
-       المحافظة على النوافل القبلية والبعدية
-       صلاة الضحى
-       قراءة القرآن
-       المحافظة على الاذكار
-       صيام يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع
-       صيام الأيام البيض من كل شهر
   -      ان تجعل يومًا في الأسبوع لزيارة مريض، أو تشييع جنازة، أو التصدق على الفقراء والمساكين، أو زيارة الأيتام...

google-playkhamsatmostaqltradent