ان الله يحب عباده المؤمنين، ويحب صفات يتصف
بها عباده المؤمنين، لأن المحبة صفة ثابتة لله سبحانه تليق بجلاله، لذا اخواني واخواتي القراء الأعزاء تجدون اسفله البعض
من هذه الصفات :
1- الإحسان
:
فالمعلوم أن الدين مراتب: الأولى منه هي مرتبة
الإسلام، والثانية هي مرتبة الإيمان، والثالثة هي مرتبة الإحسان؛ وهي أعلى مراتب
الدين، ومعنى الإحسان : أن تعبد الله تبارك وتعالى كأنك تراه، فإن لم تكن
تراه فإنه يراك كما في حديث جبريل الذي هو في الصحيحين قال العلامة حافظ بن أحمد
الحكمي رحمه الله :
وثالث
مرتبة هي الإحســان وتلك أعلاها لدى الرحمن
وهو رسوخ القلب في
العرفان حتى يكون الغيب كالعيان
قال الله تبارك وتعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي
سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة:195، وقال تبارك وتعالى: (فَبِمَا
نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ
بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً
مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
المائدة:13، وقال جل وعلا: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء
وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران: 134.
2- التوبة والتطهر :
والتوبة هي الرجوع إلى الله تبارك وتعالى بترك
معصيته إلى طاعته، وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالتوبة في كثير من الآيات
منها قول الحق تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى
اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي
اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا
وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التحريم:8، وقال سبحانه : (وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
النور:31، وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى
فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ
فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة:222 قال القرطبي رحمه
الله في تفسير الآية : "اختلف فيه فقيل : التوابين من الذنوب والشرك،
والمتطهرين أي بالماء من الجنابة والأحداث قاله عطاء وغيره، وقال مجاهد : من
الذنوب، وعنه أيضاً: من إتيان النساء في أدبارهن، ابن عطية : كأنه نظر إلى قوله
تعالى حكاية عن قوم لوط : (أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ
يَتَطَهَّرُونَ) الأعراف:82، وقيل: المتطهرون الذي لم يذنبوا، فإن قيل: كيف قدم
بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب، قيل: قدمه لئلا يقنط التائب من الرحمة، ولا يعجب
المتطهر بنفسه كما ذكر في آية أخرى : (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ
وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات) فاطر:32".
3- التقوى :
وهي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا
بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل كما قال ذلك الإمام علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه، وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده قال عز وجل : (وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) النساء :131، وهي أيضاً وصية
الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فعن أبي أمامة صُدى بن عجلان الباهلي رضي الله
عنه قال: ‘سمعت رسول الله يخطب في حجة الوداع فقال : "اتقوا الله ربكم، وصلوا
خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة
ربكم"، قال فقلت لأبي أمامة: منذ كم سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم هذا الحديث؟ قال : سمعته وأنا ابن ثلاثين سنة’، وكان صلى الله عليه وسلم إذا
بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيراً.
ومعنى تقوى العبد لربه : أن يجعل بينه وبين ما
يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته، واجتناب معاصيه، إذ التقوى سبب
لسعادة المرء في الدنيا والآخرة، وقد أخبر تبارك وتعالى أنه يحب المتقين فقال جل
جلاله الكريم : (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) آل عمران:76، وقال الله تبارك وتعالى : (إِلاَّ
الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ
يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى
مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) التوبة:4، وعن عامر بن سعد رضي
الله عنه قال : كان سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه في إبله فجاءه ابنه عمر، فلما
رآه سعد قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل فقال له : أنزلت في إبلك وغنمك،
وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد في صدره فقال : اسكت سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله يحب العبد التقي، الغني،
الخفي" رواه مسلم.
4- الصبر
:
وهو عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله
المخلصين، وهو من أهم ما نحتاج إليه في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت،
وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى، فالصبر ضياء، به يظهر الفرق بين
ذوي العزائم والهمم وذوي الجبن والضعف والخور، وهو ليس حالة جبن أو يأس أو ذل بل
هو حبس النفس عن الوقوع في سخط الله تعالى، وتحمل الأمور بحزم وتدبر، ليكون أجر
الصابر بغير حساب : (أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ
وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً) الفرقان:75، وقال الله تبارك وتعالى
عن أهل الجنة : (سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ
ٱلدَّارِ) الرعد:24، وفي كتاب الله آية عظيمة كفى بها واعظة ومسلية عند وقوع
المصائب والأحزان هي قول الملك العلام: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ
ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ
ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ) البقرة:155-157، فكلمة "إنا
لله وإنا إليه راجعون" علاج ناجع لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة، وهو
اعتراف وإيمان بأن مصير العبد ومرجعه إلى الله تبارك وتعالى مولاه الحق بعد أن
يخلف الدنيا يوماً ما وراء ظهره، ويدخل قبره فرداً وحيداً كما خُلق أول مرة، بلا
أهل ولا مال، لا يرافقه في قبره إلا ما قدَّم، فمن صبر واحتسب ورضي بقضاء الله وجد
الثواب الجزيل، والخير العميم جاء عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله
عليه وسلم قالت : ‘سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد
تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي
خيراً منها؛ إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها"، قالت: فلما توفي
أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه
رسول الله صلى الله عليه وسلم’ رواه مسلم برقم.
والصبر صفة يحبها الله تبارك وتعالى، ويحب
المتصفين بها فقد قال في كتابه الكريم : (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ
مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آل
عمران:146.
5-التوكل
:
وهو تفويض الأمر إليه سبحانه، وتعلق القلوب به
تبارك وتعالى؛ وهذا من أعظم ما يتحقق به المطلوب، ويندفع به المكروه، وتقضى به
الحاجات، وكلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق.
والتوكل صفة يحبها الله تبارك وتعالى من عباده
المؤمنين قال الله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران:159.
6- العدل :
وهو اسم من أسماء الله تبارك وتعالى، ويعني
العدل : وضع الأمور في مواضعها، وإعطاء كل ذي حق حقه، فعلى سبيل المثال إكرام
المحسن، ومعاقبة المسيء؛ هما مظهران من مظاهر العدل؛ لأن المحسن من حقه أن يثاب
على إحسانه، والمسيء مستحق أن يعاقب على إساءته، ولو تبدلت القضية أو التزم بجزء
منها وترك الآخر لكان ذلك خلاف العدل أي الظلم، والعدل صفة يحبها الله تبارك
وتعالى قال الله جل جلاله في محكم التنزيل : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ
وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة:42، وقال أيضا
: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي
تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
الحجرات:9، وقال الله تبارك وتعالى : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ
أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
الممتحنة:8، بل إن الإمام العادل هو أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل
إلا ظله كما في الصحيح.
7- الرفق واللين والحلم والأناة :
فمن الصفات التي يحبها الله تبارك وتعالى الرفق
واللين، والحلم والأناة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج -أشج عبد القيس- : "إن
فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم، والأناة" رواه مسلم ، وعن عائشة رضي الله
عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ‘ دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم، قالت عائشة : ففهمتها، فقلت : وعليكم السام
واللعنة، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مهلاً يا عائشة
إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت : يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قد قلت وعليكم"’ رواه
البخاري ومسلم .
8- معالي الأمور :
حيث يحب الله تبارك وتعالى المسارعة إليها فقد
جاء في حديث حسين بن علي رضي الله عنهما قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : "إن
الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها".
9- محبة من يحب لقاء الله تبارك وتعالى :
وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه :
‘باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه’ صحيح البخاري (5/2386)، فعن أبي موسى رضي
الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من أحب لقاء الله أحب
الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" رواه البخاري ومسلم .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يمنَّ علينا بطاعته
ورضاه، وأن يوفقنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال بمنّه وكرمه، وأن يرزقنا
الإخلاص في القول والعمل.