ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء يوم الجمعة 19 ذي الحجة 1434 الموافق ل 25 اكتوبر 2013 بعنوان : "تنفيس الكرب"، وهذا نصها:
الحمد لله الذي جعل من اخلاق الإسلام التسامح والتآزر والتعاون ودعا
المسلمين إلى أن يتعاونوا على البر والتقوى فقال سبحانه : ( وتعاونوا على البر
والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له بنى تعاليم الإسلام على التسامح وإنظار المعسرين والوضع عنهم والرحمة بهم
لتمثيل أخلاق الإسلام بين المتعاملين من أتباعه وأشهد أن سيدنا محمدا عبده
ورسوله علمنا أن الحياة أخذ وعطاء وضرب لنا الأمثال على حسن الجزاء من العلي
القدير بمن سبقونا من الأمم والأشخاص فترك فينا من سنته ما ان اتبعنا أثره نجونا
من البلايا والشرور، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عملوا بسنته ففازوا رضي
الله عنهم أجمعين.
أما بعد: أيها المومنون يحدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضل الذي أعده الله لبعاده الذين يقدرون صعوبة
الحياة قدرها فيعملون على تفريج الكروب وتنفيسها على المعسرينويضرب لنا صلى الله
عليه وسلم مثلا بمن كان قبلنا من الأمم فيقول صلى الله عليه وسلم : " تلقت
الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا أعملت من الخير شيئا ؟ قال لا
قالوا، تذكره قال كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن
الموسر قال الله عز وجل: تجاوزا عنه، وفي رواية أخرى قال ذلك العبد لما سئل : يا
رب أتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وانظر
المعسر فقال الله تعالى: أنا أحق بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي " هذا المثل الذي
أعطاه رسول الله لعبد من عباد الله ممن كانوا قبلنا تلقت الملائكة روحه بعد موته
وسألته أعملت من الخير شيئا تنجو به عذاب القبر و من عسر الحساب ومن سعير جهنم،
لكنه أجاب بأنه لم يعمل من ذلك شيئا ولم يكن قد استعد لهذا اليوم وصحيفته فارغة
لكن الملائكة راجعوه في كلامه وطلبوا منه أن يتذكر وفعلا تذكر معروفا كان يصنعه
في حياته وهو أنه كان يداين الناس أو يبايعهم فيصبر عليهم في الأداء ويوسع
عليهم، ويتسامح مع بعضهم من المعسرين، ويذكر ذلك للملائكة فجاء الجواب من رب العزة
: " إن ذلك التجاوز وتلك المسامحة الله أولى منك بها وهو يتجاوز عن ذنوبك مقابل
ذلك" ويقول الله : "نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه". اعلموا
إخواني أن الله تجاوز عن ذنوب عبده هذا لأنه كان يداين الناس فيأمر فتيانه
ان ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر ومعنى ذلك أنه كان يتسامح فيما فيه نقص يسير
عند الأداء ويتسامح كلية لبعض الذين لا يقدرون على الأداء ويعتبر ذلك صدقة ومعاملة
لإخوانه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أن الذي ينفس عن المومن
كربة من كرب الدنيا ينفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، روي أن أبا
قتادة طلب غريما فتوارى عنه ثم وجده فلما طلب منه ماله قال له : إني معسر
فقال آلله أي فاستحلفه فحلف فقال له إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس على معسر أو يضع عنه
" ويوجهنا كتاب الله الحكيم إلى انظار المعسرين إلى أن يفتح الله عليهم
يقول تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة وان تصدقوا خير لكم إن كنتم
تعملون). وإن تمرة التيسير على عباد الله لا تقتصر على الجزاء في الآخرة بل في
الدنيا كذلك حيث ييسر الله للعبد ويكون في عونه ما دام في عون إخوانه. وفي
هذا المعنى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نفس عن مسلم كربة من كرب
الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله
عليه في الدنيا و الآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه".
أيها المؤمنون: إن رحمة الله تتدارك
عبده المومن الذي يعين إخوانه المؤمنين ويرحمهم وييسر عليهم في المعاملة ويصبر
عليهم ويسامح المعسر منهم.
وتتداركه رحمة الله عند ما يحتاج
الإنسان إلى رحمة من ربه في وقت الشدة حينما تحسب عليه أعماله وحينما ينضب معينه
فلا يجد عنده من الخير ما ينجيه، ينادي الحق سبحانه: "أنا أحق بدلك منك
تجاوزوا عن عبدي" والله أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين يحب من عباده أن
يتراحموا فيما بينهم لذلك وجهنا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخبرنا أن
الرحمة وتفريج الكروب مدعاة إلى اجابة الدعوات فقال صلى الله عليه وسلم : "
من أراد أن تستجاب دعوته أو تكشف كربته فليفرج عن المعسر".
فاعملوا إخواني بهدي الرسول
تغنموا واتبعوا سنته تسلموا وتراحموا فيما بينكم وابحثوا في حوائج إخوانكم
وساعدوهم على قضائها قدر إمكانكم يرحمكم أرحم الراحمين ويغفر لكم ذنوبكم إنه هو
الغفور الرحيم، آمين والحمد لله رب العالمين.