القى الاستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا يوم 07 جمادى الاولى 1441 الموافق ل 03 يناير 2020 بعنوان : "ذكرى 11 يناير"، وهذا نصها :
الحمد لله الذي ينصر المجاهدين المجدين وينفخ في الأمم من روحه
فتستيقظ بعد غفلة وتقوى بعد ضعف وتزيح عنها أسباب الخمول وتكافح لإعادة العزة
والحرية.
وأشهد أن لا اله الا الله وحده الفرد
الصمد يزلزل عروش الطغاة المتجبرين ويعين عليهم حتى يندحروا ويخسروا وينهزموا أمام
برهان الحق الذي يحميه أبناء الأمة المخلصين.
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده
ورسوله خير من جاهد الباطل بسيف الحق ففاز بالنصر بعد جهاد طويل وتعب شديد فكان
قدوة وأسوة لكل المجاهدين المخلصين على مر الأزمان والعصور صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه الذين دافعوا عن حمى الإسلام بكل ما يملكون الى أن بدلهم الله قوة بعد ضعف وكثرة
بعد قلة رضي الله عنهم أجمعين.
أما بعد، أيها المؤمنون، إن من رحمة
الله بالعباد إلهامهم إلى الدفاع عن كرامتهم وحريتهم كلما تعرضت للمس او حاول
المحاولون اضعاف هذه الأمة وإدلالها بشكل من الأشكال وذلك نتيجة تخليها عن منهج
الله وانحرافها عن جادة الصواب وابتعادها عن بذل الجهد للحفاظ على حريتها
واستقلالها وهذا ما وقع لبلادنا في مطلع القرن التاسع عشر، حيث ابتليت بالاستعمار
الفرنسي والاسباني هذا الاستعمار الذي اخذ على نفسه استعباد المغاربة واستغلال
خيرات بلادهم أبشع استغلال الا ان خططه التي دبر ظهرت بوادر فشلها منذ الوهلة الأولى
حيث دعا الى التفرقة على أساس عنصري وقبلي، اذ فرض الظهير البربري الذي قاومه المغاربة قاطبة بكل الوسائل الممكنة
اذ كانت بداية العمل الوطني المبني على التكتل ووحدة الصف وإبراز هذا العمل في
شكله الطبيعي اعتمادا على الله وانطلاقا من بيوت الله وإيمانا بكتابه القائل : (
ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارتين ونمكن
لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
نعم أيها المؤمنون إنه لم يهدأ
للمستعمر بال ولم يرتح او يستريح اذ قامت
في وجهه طائفة من المؤمنين بنصر الله وبعدالة قضية البلاد التي عمدت في أول الأمر إلى
التعريف بها وترسيخها في النفوس والأذهان وتعبئ سائر أنحاء البلاد، وكشفت عن نواياها
فيما تريده لبلادنا وطهر ذلك في تقديم
وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944 إلى جلالة السلطان محمد الخامس قدس الله
روحه والى الإقامة العامة آنذاك وإذ أراد الله أن يسدد خطى هذه الزمرة قبض لها
العون والتأييد والدعم المطلق من ملك
البلاد الصالح الذي كان على اتصال تام بهؤلاء الذين نذروا أنفسهم لخدمة البلاد والدفاع عن حوزتها إلى أن
تحصل على حريتها واستقلالها ولم يكن المستعمر ليقف مكتوف الأيدي بل عمد الى العنف
والى اعتقال الوطنيين الذين هيئوا العريضة وقدموها ولم يكن يدري او يحسب الحساب
لمن وراء هؤلاء المجاهدين حتى هب المغاربة في كل مكان لإرسال عرائض التأييد والى
التنديد بالاعتقال الذي تعرض له المخلصون من أبناء هذه الأمة وقصد المغاربة
ربهم وتوجهوا إلى المساجد لقراءة اسم
الله اللطيف واتبعوا ذلك بالمظاهرات
الاحتجاجية التي كانت مدينتنا سلا منطلقها الأول يوم 29 يناير 1944 حيث كانت
المعركة التي سقط فيها الشهداء الأبرار وكان التنكيل والتعذيب
والاعتقال للذين قادوا هذه المظاهرات
وخططوا لها وشاركوا فيها، وكانت كذلك منعطفا تاريخيا سجل بمداد العز والفخار
للمجاهدين الأبطال والشهداء الأبرار ومن سار
على دربهم درب الجهاد والنضال إلى أن تستقل البلاد كما توضحت المواجهة لكل
العالم بشعب مكافح وملك مجاهد يريدون التحرر والانعتاق ولا يقبلون مساومة في ذلك
ولو أدى ذلك ما أدى.
وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا واعز الله
المجاهدين واتاهم الفتح المبين والنصر المكين وأنجاهم الله من الامتحان وارجع
ملكهم المجاهد الذي ضحى بعرشه في سبيل عزة الوطن وحماية المؤمنين الذين نذروا أرواحهم
لله والى ما وعدوا من الأجر العظيم، روي البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: ليلة أسرى به أتى على قوم يزرعون في يوم ويحصون في يوم كلما حصدوا
عاد كما كان فقال يا جبريل من هؤلاء؟ قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم
الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه، طوبى لهم ثم طوبى لهم ما أعد
الله لهم من الجزاء الأوفى.
اللهم اجعلنا عل أثر المجاهدين الأولين
الذين حققوا لهذه البلاد عزتها وكرامتها وألهمنا اللهم السير في خط رشيد قويم
لبناء بلادنا والمحافظة على وحدة ترابنا حتى نرضي من قدموا أنفسهم لله في هذه
الذكرى ونعمل على تحقيق طموحات الأجداد والآباء الذين لم تكن مطامع مادية وإنما
كانوا يرجون النصر من الله والعون على أن تتبوأ الأمة المغربية مقاما فيما بين
الأمم ويعيش المغاربة أعزاء منعمين بنعمة الحرية والاستقلال، وينهمكوا في بناء
البلاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وهذا ما كان يوجه إليه الملك المجاهد المرحوم
محمد الخامس ويتابع خطواته وعلى نفس النهج خاض الملك المرحوم الحسن الثاني رحمه
الله، ويتابع مسيرة النماء جلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره وحقق مساعيه
التنموية للشعب المغربي وكل ما يرتجيه لكل شعوب المنطقة إنه على كل شيء قدير، آمين
وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.