القى الاستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم 16 ربيع الثاني 1441 الموافق ل 13 دجنبر 2019 بعنوان "تقدير المسؤولية"، وهذا نصها :
الحمد لله جلت قدرته وتعالت حكمته وعمت
نعمته سبحانه وتعالى يرفع درجات عباده المؤمنين ويزلزل عروش الطغاة الباغين
الطامعين واشهد أن لا
اله الا الله وحده لا شريك له طوق الإنسان بمهمة الخلافة في الأرض ليعمرها بالإحسان، ويسعى في رقي ساكنيها ليكونوا الخلف الصالح الذي يرجو رحمة ربه ويخاف
عذابه،
واشهد ان سيدنا محمدا أتقى الخلق وأبرهم وأكملهم واعد لهم صلوات الله وسلامه عليه
وعلى ءاله وصحبه أهل التقوى والمغفرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فان من اجل نعم الله على
العباد ان خلقهم في أحسن تقويم ومتعهم بكل وسائل العيش الرغيد وسواهم وبوأهم أرقى
درجات الكمال وفضلهم على سائر الخلق بان وهبهم عقلا مفكرا يميز النافع من الضار.
ومن هذه الهبة المولوية العظيمة تحمل الإنسان
مسؤوليته في الحياة حيث حمل أمانة الخلافة في الأرض فشقت عليه وظلم بها نفسه قال
تعالى : (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن
منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا).
أيها الإخوة المؤمنون إننا لم نقدر هذه
المسؤولية ولم نعبأ بهذه الرسالة التي جعلت منا خلائف في هذا الكون ولم نأبه لما
يلحقنا من جراء تقصيرنا في أعمالنا ولم يخطر ببالنا يوما ان نجلس إلى أنفسنا
لنحاسبها ونتساءل عن تعليمات القرءان
وموقفنا منها ومتطلبات السنة وعن اتباعنا لها وعن سلوكنا في هذه الحياء، هذا
السلوك الذي ينبغي أن ينطبع بالخلق القرآني النبيل الذي يرتضيه الخالق الجبار لعباده
المؤمنين الذين يقدرون نعم الله عليهم حق قدرها فيعملون وفق ما تمليه تعاليم
الكتاب المبين بما في ذلك من تنبيه وتحذير وتبشير وتنفير غير مغرورين بما يتمتعون
به في حياتهم الدنيا من نعم زائلة سامعين لقوله العظيم : ( يا أيها الإنسان ما غرك
بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي
صورة ما شاء ركبك) إن المتأمل في هذه الآيات البينات ليدرك بجلاء ما ترمي إليه من تحذير الإنسان من
الاعتماد على كرم الله دون التنبه في نفسه
إلى أعظم نعمه واجلها وهي نعمة الخلق فمنذ اللحظة الأولى لحظة وضع النطفة في رحم الأم
وما يتبع ذلك من تكوين دقيق لم يتوصل العلم الحديث بعد إلى إعداد دراسة شاملة بصفة قطعية إذ كل الأبحاث
في هذا الباب وما وصلت إليه ليست الا
نظريات نسبية بالنسبة إلى علم الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى سبحانك ربي ما أعظم شأنك، خلقت الإنسان خلقة سوية فعدلتها في أحسن حالة تريدها وجعلت تركيب جسمه في دقة متناهية تظهر فيها
عظمة صنعك وتبرز فيها قدرتك وتتجلى إرادتك.
نستغفرك ربنا عما يحصل منا من تقصير
ونحن نسمع آياتك : (كلا بل تكذبون بالدين وان عليكم لحافظين كرام كاتبين يعملون ما
تفعلون) نعوذ بك ربنا ان نكون من المكذبين بيوم البعث والجزاء ذلك اليوم الذي تشيب
من هوله الولدان ونحن نتلو قولك : (يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله
شديد).
نعوذ بك ربنا أن نكون من الجاحدين ونحن
نعلم أن الملائكة موكولة بأعمالنا وإحصائها لنا لتجزى كل نفس بما تسعى ونعلم أننا
سنواجَه في ذلك اليوم بقولك العظيم : (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
أيها الإخوة المؤمنون لقد أردف الله
هذه الآيات بقوله : (إن الأبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم) فجعل سبحانه نعيمه
المقيم للبررة من عباده الطائعين أوامره المجتنبين نواهيه الآمرين بالمعروف والناهين
عن المنكر الذين يقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويَصِلُونَ ما انقطع من الأرحام ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا أولئك
هم الذين بروا ففازوا بنعيم الجنة التي أعدت
للمتقين كما أعد سبحانه نار جهنم لكل الفجار المكذبين بيوم الدين الكافرين والعاصين واللاهين عن رب العالمين المحاربين لدينه
المعادين لرسوله، أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان فأطاعوه فكانوا قوما عمين
فاستحقوا الجحيم جزاء وسكنا (يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وما أدراك ما
يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم
لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله).
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم
ملاقوه فاستعدوا لهذا اللقاء بالإكثار من الطاعات والمبرات تفوزوا في الدنيا والآخرة وتكتبوا مع الذين انعم الله
عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
واخلصوا أعمالكم كلها للملك الديان وقد
ورد الحديث عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : "الأعمال عند الله عز وجل سبع
عملان موجبان وعملان بأمثالهما وعمل بعشر أمثاله وعمل بسبعمائة وعمل لا يعلم توابه عامله الا
الله عز وجل. فأما الموجبات: فمن لقي الله يعبده مخلصا لا يشرك شيئا وجبت له الجنة
ومن لقي الله قد أشرك به وجبت له النار
ومن عمل سيئة جزى بها ومن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها جزي مثلها ومن عمل حسنة جزي عشرا ومن انفق ماله
في سبيل الله ضعفت له نفقته الدرهم بسبع مائة والدينار بسبعمائة والصيام لله عز
وجل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل".
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وغفر
لي ولكم ولسائر المسلمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين.