من المعروف أن هناك عوامل كثيرة تؤثر في تشكيل السلوك لدى الأطفال وتربيتهم،
إلا أن التلفزيون يتميز بتفرد خاص بحكم إمكاناته ومواصفاته مقارنة بوسائل الإعلام
الأخرى وبحكم العلاقة المستديمة بينه وبين الأطفال.
والأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو أننا
نعيش في عصر أصبح للصورة المرئية فيه سموها، والبرامج التي تقدمها الشاشات الصغيرة
في بلادنا كثيراً ما يكون أثرها سلبياً، لأنها في كثير من الأحيان ـ تكون منقولة
إلينا ـ غير مراعية لظروفنا النفسية، ويتأكد هذا بصفة خاصة عند إخفاق الأسرة
والمدرسة في عملية الضبط والتوجيه، والثمرة التي تجنى من هذه العملية، هبوط في
المستوى التعليمي والخلقي والديني.
ولا يفهم من هذا أن الإسلام يحارب رؤية
الأطفال لبرامج التلفزيون مثلاً، وإنما الذي يهدف إليه أن تكون هذه البرامج عاملاً
ايجابياً في تنمية قدرات الطفل الحركية والجسمية، وصقل مواهبه وملكاته، وتدعيم
الناحية الاجتماعية فيه، وإبراز الحاسة الخلقية لديه، وبهذا يمكن أن تكون
الأسرة والمدرسة والمجتمع مرافق متعاونة على نجاح العملية التربوية وهو مطلب نأمل
أن يتحقق.
هذا الأمر يدفعنا للقول بأنه يقع على
الآباء والأمهات والاولياء بصفة عامة مهمة خلق صيغة موازنة تضمن تحقيق اكبر ما
يمكن من الفائدة للأطفال من التلفزيون ويكون ذلك بالأخذ بالأمور
الآتية :
أولا) إعداد البرامج :
نبدأ أولا بالتوصيات التي خرجت بها دراسة
قاسم صالح” 1975 “ التي جاءت في رسالته للماجستير وهي :
1 ـ ضرورة إخضاع
التلفزيون لتخطيط واع. والتأكيد على استشارة ذوي الخبرة في ميدان التربية وعلم
النفس ووسائل الاتصال وأدب الأطفال خاصة بالنسبة لبرامج الأطفال التي تعاني من ضعف
إقبال الأطفال عليها.
2 ـ إن التلفزيون
ينفرد عن باقي وسائل الاتصال الجماهيري بميزات خاصة يستطيع عن طريقها اجتذاب اكبر
عدد ممكن من المشاهدين. وإذا ما علمنا بان مشاهدة التلفزيون لا تستلزم توفر الوقت
بل توفر الرغبة أولا على حد تعبير Meyersohn” 1968 “ عندها ينبغي الاستغلال الجيد لمميزات التلفزيون فيما يتعلق بمضمون البرامج
الجديد وشكلها بصورة عامة والبرامج الجدية الموجهة للأطفال بصورة خاصة. وهذا
يستلزم إضافة إلى استقطاب المتخصصين وذوي الخبرة، إن تكون العناصر التي تتولى
إخراج برامج الأطفال ذات إلمام برغبات الأطفال. وان يجيد مقدمو برامج الأطفال فن
مخاطبة الأطفال من خلال التلفزيون.
3 ـ ولغرض تحقيق اكبر
فائدة من البرامج الجدية في زيادة معلومات الأطفال، ومن ثم تحسين مستوى تحصيلهم
الدراسي، فان على المعلمين القيام بمناقشة الأطفال في محتوى هذه البرامج خاصة تلك
التي لها صلة بما تتضمنه المناهج المدرسية. فهذه المناقشة قد تثير اهتمام الأطفال
باتجاه قراءة كتبهم المدرسية، وتشجعهم على قراءة كتب هادفة أخرى. كما أن مناقشة
البرامج غير الجيدة قد تؤدي إلى تنمية الحس النقدي لدى الأطفال. ذلك أن وظيفة
المربي بشأن وسائل الاتصال الجماهيري هي تشجيع النقد وحسن الاختيار.
4 ـ ضرورة أن يكون
هناك تناسقا وانسجاما بين ما تتضمنه البرامج التي يقدمها التلفزيون وما تتضمنه
المناهج المدرسية. إذ لا يصح قطعاً أن يعرض التلفزيون مسلسلات من قبيل” مطلوب حياً
أو ميتاً “ و” ويست “ وبعض أفلام الكرتون الغربية، وكلها تدعو إلى الفردية، في
الوقت الذي تدعو فيه المناهج الدراسية إلى التعاون والمشاركة الجماعية في العمل
الشعبي. فدور التلفزيون ينبغي ان يكون متفقاً مع الأهداف التربوية، وإحدى مهماته
الأساسية هي القيام بتثبيت وتوسيع المعلومات التي يتلقاها الطلبة في مؤسساتهم
التربوية.
5 ـ توجيه الأطفال
نحو مشاهدة البرامج الخاصة بالأطفال، بحيث تتحول مشاهدتهم إلى تقليد ثابت للجيد
منها . وتطالب الدكتورة فوزية فهيم في كتابها” التلفزيون فن “ بضرورة الالتزام
بقوانين حماية الأطفال من التلوث التلفزيوني، التي تنص على عدم عرض أو
إذاعة :
ـ ما يسيء إلى سمعة الوطن او تاريخه.
ـ ما ينافي الآداب العامة.
ـ ما يوحي بالجريمة أو يحرض عليها أو
يمجدها.
ـ ما يثبط الهمم أو ينفر من العمل أو من
العلم والعلماء.
ـ ما يشجع على البطالة او الاستهتار.
ـ ما يشجع على الاعتقاد بان النجاح بالحظ
لا بالجد والاجتهاد.
ـ ما يحوي ألفاظا مغلوطة أو عبارات نابية.
ـ ما يمس الآباء أو الأمهات أو كبار السن.
ـ ما يسخر من العاهات أو العيوب الخلقية.
ثانياً) تنمية الحاسة الخلقية والدينية لدى الأطفال :
الأسرة والمدرسة والمجتمع وما فيها من
أندية ومرافق توجيهية كالتلفزيون والراديو والصحف والمجلات، كلها مؤثرات حضارية في
نفسية الطفل، والمنهج المثالي الذي يفهم من توجيهات الإسلام، إن هذه المرافق ينبغي
أن تعمل على تنمية مداركه بحيث لا تكون هناك أخاديد أو فجوات، بين بعضها والبعض
الآخر، وهذا لعمري أسمى ما ينبغي أن نحرص عليه، في مؤسساتنا التربوية
والدينية إذا ما أحسن استعماله.
لذا أصبح من الواجب توجيه برامج التلفزيون
بالاتجاه الصحيح الذي يقوي صلة الأطفال بأمتهم وعقيدتهم وأعرافهم وعدم تسليمهم
للتلفزيون غير المسيطر عليه يصنع فيهم ما يحلو له من التوجيه وغرس المفاهيم
المغايرة لعقائدنا ومعارفنا وتاريخنا. وهذا لاشك لا يتم إلا بالقناعة بان نعود
بقيمنا إلى ما نملكه من ذخيرة روحية تملؤها كتبنا التراثية التشريعية وغيرها. وليس
معنى ذلك أن ننسى أننا نعيش عالم القرن الحادي والعشرين، أو أننا لا نريد حضارة
العالم الجديد. لا أبدا فان قيم التراث التي نملكها لا تقف الحضارة العالمية
الجدية نداً لها.. بل يمكننا أن نجمع الاثنين دون عناء، فالشريعة الإسلامية شريعة
تصلح لكل زمان ومكان.
ثالثاً) تنظيم الوقت وكيفية
المشاهدة :
إن تنظيم ساعات مشاهدة الأطفال للتلفزيون
بما يتناسب مع أعمارهم أمر في غاية الأهمية، ونقترح هنا أن لا يزيد معدل المشاهدة
اليومية على 1,5 ساعة للأطفال دون التاسعة من العمر وعن ساعتين بالنسبة للأطفال
الذين تزيد أعمارهم على ذلك وهذا يتطلب زيادة مدة بث برامج الأطفال لتتناسب مع
اقتراحنا.
وبالنسبة لمواعيد بث برامج الأطفال تناولت
العديد من البحوث والدراسات ذلك مبينة أهمية مواعيد بث برامج الأطفال، وتقديمها في
أوقات تناسبهم، وتشير إحدى هذه الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال يفضلونها في
المدة فيما بين الساعة الخامسة والسابعة مساءً، وقد بلغت نسبتهم ما يزيد عن70% من
أصل مجموع الأطفال في هذه الدراسة.
رابعاً) نصائح للأمهات لتحرير الطفل من
سحر التلفزيون :
القدوة الحسنة :
فمن الضروري أن تعلمي طفلك بان نظام حياتك
وأعمالك أهم بكثير من مشاهدة مسلسل، ومتابعته يومياً، وثقته بأنك لا تسمحين لنفسك
بمشاهدة بعض المشاهد واللقطات التي لا تسمح بها الأخلاق والدين وتقاليد المجتمع،
وذلك إما بغلق التلفاز أو تغيير القناة مع التأسف على هذه الحالات الشاذة التي لا
يرضاها دين سماوي أو أدب اجتماعي. وهكذا بالتكرار سوف تلاحظين الاستجابة والتقليد
من قبل أطفالك. وهذه الطريقة تفيد الأطفال للعمر ما بين 3 سنوات الى سن المراهقة.
خامساً) الاهتمام باللغة
العربية :
تدل الأبحاث والدراسات الميدانية التي
أجريت على الأطفال في العديد من الدول العربية وخاصة في الكويت وعمان وتونس
والقاهرة، إن بمقدور الأطفال فهم اللغة العربية الفصيحة إذا كانت مبسطة ورافقتها
وسائل الإيضاح المرئية من أفلام سينمائية 16 ـ 35 سم مع أشرطة فيديو VTR وشرائح slides لصور ورسوم أو خرائط أو نماذج مصغرة أو رسوم متحركة.
وأؤكد ضرورة الاهتمام بلغة البرامج، لان ضعف اللغة العربية له آثاره السيئة على
الفكر السليم وقد تؤدي إلى انصراف الأطفال عن الفهم، وضعف إدراك المعاني، كما
كفانا تلك المخاطر التي تتعرض لها لغتنا العربية يومياً والتي إذا لم نواجهها
بالحفاظ على اللغة العربية نفقد وسيلة من وسائل التفاهم الوحيدة التي يرتبطون بها،
كما أنها لغة القرآن ، وإجادتها شرط أساسي لفهم معانيه السامية.
سادسا) الاهتمام بالمعاقين :
ويجب أن تهتم برامج الأطفال بالمعاقين
خاصة، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الأطفال المعاقين في إحدى الدول العربية الذين
هم في سن التعليم فقط نحو المليون.
كما تشير إحدى الدراسات أن عدد المعاقين
يبلغ 10% من مجموع السكان. وان هناك طفلا واحدا من بين كل عشرة أطفال يولد معاقاً.
وتؤكد البحوث والدراسات أن 98% من هؤلاء
المعاقين لا يتلقون أية رعاية، ومن هنا يجب على برامج الأطفال في التلفزيون أن
تهتم بالمعاقين، وقد سبقنا في الاهتمام بهم دول كثيرة تقدم لهم البرامج الخاصة،
واذكر منها بريطانيا التي بدأت فيها هيئة الإذاعة البريطانية B.B.C منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً لتقدم برامجها للأطفال
الذين فقدوا نعمة السمع، وقدمت لهم عام 1969 نشرة أسبوعية مصورة على الشاشة
الصغيرة تستخدم فيها رموز الاتصال بهؤلاء الخاصة، كما تخصص غالبية برامجها ركناً
خاصاً بهم على الشاشة، كما توجد قناة خاصة بالمعاقين في الولايات المتحدة
الأميركية، تخاطب الصم والبكم بالرموز والإشارات التي يفهمونها، وتحكي بالصوت لمن
فقدوا نعمة البصر، كما تخاطب المتخلفين عقلياً على قدر ذكائهم وعقولهم، وترشد
القعيد، وتعرض كفاحه من اجل التكيف مع الحياة. لكل هذا وفي إطار التكافل الذي
تؤكده الشريعة الإسلامية يجب الاهتمام بالمعاقين الأطفال، حتى نجعل منهم مواطنين
صالحين يشاركون في بناء وطنهم، ونعيد إليهم الثقة من خلالها على العطاء المستمر
لأنفسهم ولما فيه خير امتنا.
الخاتمة :
بعد كل ما استعرضناه وذكرناه، لابد أن
الأمر صار يحتاج إلى وقفة صريحة صادقة مع الذات، هذا أن كان يهمنا أن ينشأ أطفالنا
في أجواء صحية سليمة، وصار لابد أن نحاول العثور على حل للخروج من هذه الأزمة التي
تتفاقم يوماً بعد يوم، أو أن نتدارك الخطأ قبل أن يستفحل ويصعب علاجه.
لابد أن نقنن ساعات المشاهدة وان نكون
صارمين، وان نشغل الأطفال بأشياء مفيدة وان نغرس فيهم حب القراءة والمطالعة وان
نعيش معهم لذة المعرفة واكتشاف الجديد، وان نترك لأصابعهم الصغيرة أن تغدو أيادي
ماهرة، ليمارسوا أعمال الكبار ويتعلموا ويجربوا بأيديهم، وان نعتمد عليهم بما
يحسنون صنعه، ونمنحهم الفرصة للتعلم، وبذلك نمنحهم الثقة بأنفسهم، ونعلمهم
الاعتماد على الذات، فيشبوا رجالاً صالحين لذواتهم ولأسرهم ولمجتمعاتهم.