random
مقالات عشوائية :

خطبة الجمعة : التفريط في الامانة


خطبة الجمعة : التفريط في الامانة



          ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم الجمعة 22 جمادى الاولى 1436 الموافق ل 13 مارس 2015  بعنوان :  'التفريط في الامانة'، وهذا نصها :

 

الحمد لله الذي جعل الأمانة من الأخلاق الفاضلة، فهي ضرورة لكل مجتمع انساني مبني على المساواة بين سائر البشر لا فرق فيه بين حاكم ومحكوم وصانع وتاجر وعامل ومزارع ولا بين غني ولا فقير ولا كبير ولا صغير.

واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له فرض على المومن سلوكا معينا عندما جعل الامانة رأس ماله وسر  نجاحه ومفتاح كل تقدم وسعادة في حياته مع بني جنسه.

وأشهد ان سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، علمنا ان الأمانة مفهوم عام يشمل كل الواجبات، فكل شعائر الدين من صلاة وزكاة وصوم وحج امانة لا ينبغي التفريط في شيء منها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين استوعبوا الدرس وعلموا ان كل ما حولهم امانة عندهم يحافظون عليها تبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد، فيا امة الاسلام ويا اتباع سيدنا محمد خير الانام ان من معاني الامانة وضْعَ كل شيء في مكانه اللائق به دون الخضوع الى اهواء النفوس.

قال ابو ذر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : الا تستعملني؟ أي تجعلني وليا أو أميرا او رئيسا لك على احدى المدن قال : فضرب على منكبي ثم قال : "لا يا ابا ذر انك ضعيف، وانها امانة وانها يوم القيامة خزي وندامة الا من اخذها بحقها وادى الذي عليه فيها"، اخرجه مسلم.

من هذا الحديث نأخذ ان أمر الأمانة عظيم وخطرها كبير، وان ما نراه اليوم في العديد من المجتمعات من الاستهانة بأمر الامانة اذ الكثيرون لا يلقون لها بالا ولايقيمون لها وزنا نتيجة عدم الفهم الصحيح لمعنى الامانة وما يترتب عن تضييعها والتفريط فيها من العذاب والعقاب، ومن أسباب التفريط في الامانة عدم تذكر ما سيحدث لمن فرط في الامانة من العذاب والنكال في قبره من سؤال الملائكة له عما فرط فيه من الامانة، ألا وان من اسباب التفريط في الامانة ضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس، فلو كان هناك وازع من الدين يردع صاحبه ويزجره كلما هم بالتفريط فيما أوكل اليه من امانات لعاشت الامم في خير عظيم وأمن وفير، ومن اسباب التفريط في الأمانة دافع الانتقام سواء من رئيس او صاحب عمل، ولا شك أن هذا الأمر لن يضر أولا وأخيرا إلا من فرط في الامانة لعظم قدرها وكبر خطرها، فمهما حصل من سوء تفاهم بين الرئيس والمرؤوس، والعامل وصاحب المعمل، والزوجة وزوجها، فليس معنى ذلك أن يفرط هذا او ذاك فيما أنيط به من أمانة ومسؤولية، فليحذر المسلم من عاقبة ذلك فالعاقبة وخيمة والخاتمة سيئة والعياذ بالله. يقول الله تعالى : (انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال، فأبين ان يحملنها، فاشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا).

والذي يذكي هذا الظلم هي غوايا الشيطان اللعين الذي أقسم بعزة الله على ان يغوي عباد الله اذ قال : (فبعزتك لأغوينهم اجمعين الا عبادك  منهم المخلصين).

واعلموا ايها المسلمون ان المومنين اخوة، ولا فرق بين أحد منهم إلا بالتقوى والعمل الصالح والإخلاص فيه، فيجب على كل من آلت إليه مسؤولية أن لا يمنع كل ذي حق حقه بدافع الاضرار والتفريط في الأمانة بأن يحرم أحدا من عمله أو أن يؤخر رواتب العمال عن موعد استحقاقها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يوفه أجره"، أخرجه البخاري وأحمد وابن ماجة واللفظ له، وأخرج ابن ماجة بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعطوا الأجير أجره، قبل ان يجف عرقه"، فيحرم بخس الناس حقوقهم من أجل خلافات يمكن أن تزول وتذهب وتضمحل.

      ايها الاخوة المومنون :

على كل مرؤوس أن يؤدي العمل المناط به على أكمل وجه وأحسنه، فذلك من الأمانة، ولابد أن يستنفد جل وقته،  وجهده في إكمال عمله وتحسينه، أما من فرط في أداء عمله المنوط به، كمن يسرق من مال مستخدمه، أو يبيع سلعة رخيصة بثمن غير متفق عليه، ويأخذ الباقي دون علم صاحب العمل، أو من يقوم باستخدام آلات العمل وأجهزته ومعداته من أجل مصالحه الشخصية، أو يسرق آلات العمل ومعداته مقابل دريهمات يصيبها فان ذلك  من السرقة والغلول والعياذ بالله، قال تعالى : (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة"، فقام اليه رجل أسود من الأنصار، فقال يا رسول الله إقبل عني عملك قال وما لك قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا اقوله الآن من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذَ وما نُهي عنه انتهى، اخرجه مسلم.

      ان من أعظم الغش وأضره على الإنسان والمجتمعات والبيوتات، التفريط في أمانة الأسرة، من زوجة واولاد، فهذه هي الخيانة التي حذر منها الشرع، وهذا هو الغش المحرم الذي أشار اليه الدّين الحنيف، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت  يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"، متفق عليه.

      واعلموا اخواني ان الله تعالى يواخذ يوم القيامة الاولياء ويفضحهم على رؤوس الإشهاد حيث يرفع لهم الوية تبرز خيانتهم للأمانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يُرفع لكل غادر لواء يُعرف به فيقال :
هذه غدرة فلان"، نعوذ بالله ان نكون من المفضوحين في ذلك اليوم العظيم. ونسأله سبحانه ان يوفقنا للقيام بأمانتنا وأن يعيننا على ذلك ويقينا من شرور أنفسنا ومن غوايات الشيطان انه سميع مجيب امين.

          وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

google-playkhamsatmostaqltradent