ألقى
الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم الجمعة 27 محرم
1436 الموافق ل 21 نونبر 2014 بعنوان : 'الاعتراف بالفضل'، وهذا نصها :
الحمد
لله الملك الحق المبين أمر عباده المؤمنين بتقواه وعدم عبادة احد سواه
إذ تقوى الله خير زاد للمؤمنين وأحسن ما يتحلون به ويتزودون (وتزودا فان خير الزاد
التقوى).
وأشهد
أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له جعل من تقواه معرفة الاله وشكره على نعمائه
والاعتراف بفضله، فإن فضله علينا عظيم وعطاءه وافر عميم (إن الله لذو فضل على
الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون).
وأشهد
أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه علمنا أن أعظم فضل لله
علينا ان هدانا للإيمان وشرفنا بالإسلام بقوله تعالى : (يمنون عليك ان اسلموا قل لا
تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)، صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كان رسول الله أسوتهم وقدوتهم في مكارم الأخلاق
رضي الله عنهم أجمعين.
أما
بعد فيا امة الإسلام ويا أتباع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، اعلموا أن الاعتراف
بالجميل وعدم نسيان الفضل خلق يجب أن يبقى حلية المؤمنين، في كل وقت وحين، فمن
تلقى من أحد عونا أو جميلا أيا كان، قابل بالشكر والعرفان، وقد كان الرسول صلى
الله عليه وسلم أسوة وقدوة في هذا الخلق الكريم، فكان أوفى الناس ذمة واعرفهم
بالجميل، للمسلم وغير المسلم على السواء، لقد جاءت إليه جماعة من الحبشة فقام
يخدمهم بنفسه، وأبى أن يخدمهم احد غيره مقدما على ذلك البرهان والدليل على
الاعتراف بالفضل وعدم نسيان الجميل حيث قال : "إني أحب أن اخدمهم بنفسي،
لأنهم كانوا لإخوانهم مكرمين".
يقصد
بذلك أنهم أكرموا أصحابه عندما هاجروا إلى الحبشة، وكان وفيا لوالديه ذاكرا
لفضلهما رغم يتمه، وكان وفيا لزوجه السيدة خديجة في حياتها، ووفيا لذكراها بعد
وفاتها، وكان يذكر فضائلها وخدماتها له يقول : "لقد أمنت بي إذ كفر بي الناس،
وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس"، لقد دخلت عليه
امرأة فهش لها وأحسن استقبالها، فلما خرجت قال : "إنها كانت تأتينا أيام
خديجة، وان حسن العهد من الإيمان"، فَذِكْرُ الفضل أيها المؤمنون أساس في
العلاقة بين الزوجين، فعلى كل واحد منهما أن يعرف قدر الآخر وفضله، وليس من الأدب
وحسن العشرة أن يذكر الزوج مساوي زوجه وينسى فضائلها ومحاسنها وهي كثيرة.
أيها
المسلمون :
من
الاعتراف بالجميل وعدم نسيان الفضل اعتراف الإنسان بفضل وطنه الذي أظلته سماؤه،
وأقلته غبراؤه وخضراؤه، ورزق فيه الأمن والسلام، فعاش في طمأنينة، وهدوء وسكينة،
فحق لوطن ضم أبناءه وعلمهم وحنا عليهم، وقدم صنوف الخير إليهم أن يقدموا إليه
صنوف الوفاء، ويشرفوا أنفسهم بحسن الانتماء وجميل الولاء، إن الاعتراف بجميل الوطن
يقتضي ان نعمل جاهدين على نشر الفضائل في جميع أنحائه، ودرء الرذائل عن كل أرجائه،
يجب أن نرد الجميل على كل مؤسساته، وأن نحافظ على كل مكتسباته، فخير الوطن يعود
خيرا على الجميع. إن فضل الوطن مقرر ومعروف، فلنرد إليه الجميل تحت كل الظروف، كل
في مجال عمله الموكل إليه : العامل في معمله والصانع في مصنعه، والتاجر في متجره
والزارع في مزرعته، والموظف في وظيفته، والمعلم في مؤسسته، والمتعلم في مدرسته
وجامعته. وان مما يجب على المؤمنين، ويعد من شيم الأبرار المتقين، شكر الأوفياء
المحسنين، وتثمين جهود العاملين، فالإسلام دين وفاء، يحث كل من أسدى إليه معروفا
أن يقابل الجميل بجميل، إن لم يكن بالمال والعطاء فبالثناء والدعاء، يقول الرسول
صلى الله عليه وسلم : "من أُسدي إليه معروفٌ فقال لفاعله : جزاك الله خيرا،
فقد أبلغ في الثناء"، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من أعطي عطاء
فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن، فان من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد
كفر".
أيها
المؤمنون :
إن
العلاقة الطيبة والأخلاق النبيلة إذا سادت بين الناس أتقنت الأعمال وحققت الآمال،
فالمسؤول الذي ينظر إلى من جعلهم الله أمانة لديه على أنهم أصحاب فضل عليه، يظهر
الأدب في منطقه وسعة صدره، وفي سهولة طبعه وانبساط وجهه، بل في صلته من قطعه،
وإعطائه من حرمه، وحلمه على من جهل عليه. إنَّ تَذَكُّر الفضل وحسن الخلق يسعد الأمة
ويعلي الهمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه : "لا تحقرن من
المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه
منبسط، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك ووباله
على من قاله"، وحين عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من رحلته إلى الطائف دخل
مكة بعد أن أجاره المطعم بن عدي، فحفظ الرسول صلى الله عليه وسلم للمطعم هذه اليد
رغم شركه، فعندما جاءه جُبَيْرُ بن المطعم ليكلمه في أسارى بدر قال : "لو كان
المطعم حيا لتركتهم له".
فاتقوا
الله -عباد الله-، وتخلقوا بالأخلاق الجميلة، واحفظوا لصاحب الجميل جميله،
وتجاوزوا فيما بينكم عن العثرات، وانسوا الهفوات، لتعيشوا عيشة هنيئة سعيدة.
جعلني
الله وإياكم ممن اعترف بفضله واستعمل نعم الله عليه في كل خير وبر وشكر للآلاء
والنعم. وأجارنا جميعا من الكبر والخيلاء وأهلهما. وتركنا على المحجة البيضاء
ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.