نشرنا بالامس الجزء الاول من موضوع فضل شهر محرم والذي تحدثنا فيه عن فضل عاشوراء وتاريخها والحكمة من استحباب تاسوعاء، وفي هذا الجزء الثاني والاخير سنتناول فيه بمشيئة الله، حكم افراد عاشوراء بالصيام، وكيفية صيام عاشوراء لمن عليه قضاء، وأمور اخرى تتعلق بهذا اليوم المبارك، واخيرا نتحدث عن بعض البدع التي تقع في عاشوراء.
حكم إفراد عاشوراء بالصيام :
قال شيخ الإسلام : صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ
سَنَةٍ وَ يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ. الفتاوى الكبرى ج5، وفي تحفة المحتاج
لابن حجر الهيتمي : وعاشوراء لا بأس بإفراده ج3 باب صوم التطوع يصام عاشوراء ولو
كان يوم سبت أو جمعة.
قال الطحاوي رحمه الله : 'وَقَدْ أَذِنَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَحَضَّ عَلَيْهِ'،
وَلَمْ يَقُلْ إنْ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ فَلا تَصُومُوهُ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ
عَلَى دُخُولِ كُلِّ الأَيَّامِ فِيهِ.
وَقَدْ يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ، إنْ كَانَ ثَابِتًا -أي النهي عن صيام السبت-، أَنْ يَكُونَ إنَّمَا
نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ، لِئَلاّ يَعْظُمَ بِذَلِكَ، فَيُمْسَكَ عَنْ
الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ فِيهِ، كَمَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ. فَأَمَّا
مَنْ صَامَهُ لا لإِرَادَةِ تَعْظِيمِهِ، وَلا لِمَا تُرِيدُ الْيَهُودُ
بِتَرْكِهَا السَّعْيَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وقد ورد النهي عن إفراد الجمعة بالصوم والنهي
عن صوم يوم السبت إلا في فريضة، وتزول الكراهية إذا صامهما بضمّ يوم أو إذا وافق
عادة مشروعة كصوم يوم وإفطار يوم أو نذرا أو قضاء أو صوما طلبه الشارع كعرفة
وعاشوراء. تحفة المحتاج ج3 باب صوم التطوع، كشاف القناع ج2: باب صوم التطوع.
وقال صاحب المنهاج 'وَيُكْرَهُ إفْرَادُ
الْجُمُعَةِ' وَإِنَّمَا زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ كَمَا
صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ وَبِصَوْمِهِ إذَا وَافَقَ عَادَةً أَوْ نَذْرًا أَوْ
قَضَاءً كَمَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ.
قال الشارح في تحفة المحتاج : 'قَوْلُهُ إذَا
وَافَقَ عَادَةً' أَيْ : كَأَنْ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا
فَوَافَقَ يَوْمَ صَوْمِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 'قَوْلُهُ أَوْ نَذْرًا إلَخْ'
وَكَذَا إذَا وَافَقَ يَوْمًا طَلَبَ -أي الشارع- صَوْمَهُ فِي نَفْسِهِ
كَعَاشُورَاءَ أَوْ عَرَفَةَ، تحفة المحتاج ج3 باب صوم التطوع
قال البهوتي رحمه الله : وَ يُكْرَهُ تَعَمُّدُ
إفْرَادِ يَوْمِ السَّبْتِ بِصَوْمٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ
أُخْتِهِ : 'لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلاّ فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ'
رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ
الْبُخَارِيِّ؛ وَلأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ فَفِي إفْرَادِهِ
تَشَبُّهٌ بِهِمْ، إلا أَنْ يُوَافِقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَوْ السَّبْتِ عَادَةً
كَأَنْ وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَكَانَ عَادَتَهُ
صَوْمُهُمَا فَلا كَرَاهَةَ؛ لأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ، كشاف
القناع ج2 : باب صوم التطوع.
ما العمل إذا اشتبه أول الشهر؟ :
قَالَ أَحْمَدُ : فَإِنْ اشْتَبَهَ
عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
لِيَتَيَقَّنَ صَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ، المغني لابن قدامة ج3 - الصيام -
صيام عاشوراء
فمن لم يعرف دخول هلال محرّم وأراد الاحتياط
للعاشر بنى على إكمال ذي الحجة ثلاثين -كما هي القاعدة- ثم صام التاسع والعاشر،
ومن أراد الاحتياط للتاسع أيضا صام الثامن والتاسع والعاشر فلو كان ذو الحجة ناقصا
يكون قد أصاب تاسوعاء وعاشوراء يقينا. وحيث أنّ صيام عاشوراء مستحبّ ليس بواجب فلا
يُؤمر النّاس بتحرّي هلال شهر محرم كما يؤمرون بتحرّي هلال رمضان وشوال.
صيام عاشوراء ماذا يكفّر؟ :
قال الإمام النووي رحمه الله : 'يُكَفِّرُ
كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا
الْكَبَائِرَ'. ثم قال رحمه الله : 'صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ
سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ
تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ... كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا
يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا
كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ،... وَإِنْ
صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ
تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ'، المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَعَرَفَةَ،
وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ. الفتاوى الكبرى ج5
عدم الاغترار بثواب الصيام :
اغْتَرّ بَعْضُ الْمَغْرُورِينَ
بِالاعْتِمَادِ عَلَى مِثْلِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَوْ يَوْمِ عَرَفَةَ،
حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ
الْعَامِ كُلِّهَا وَيَبْقَى صَوْمُ عَرَفَةَ زِيَادَةٌ فِي الأَجْرِ. قَالَ ابْنُ
الْقَيِّمِ : لَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ
وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ
وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهِيَ إنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إذَا
اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ، فَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ، وَالْجُمُعَةُ إلَى
الْجُمُعَةِ لا يَقْوَيَانِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ إلاّ مَعَ انْضِمَامِ
تَرْكِ الْكَبَائِرِ إلَيْهَا، فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ
الصَّغَائِرِ. وَمِنْ الْمَغْرُورِينَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ طَاعَاتِهِ أَكْثَرُ
مِنْ مَعَاصِيهِ، لأَنَّهُ لا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ وَلا
يَتَفَقَّدُ ذُنُوبَهُ، وَإِذَا عَمِلَ طَاعَةً حَفِظَهَا وَاعْتَدَّ بِهَا،
كَاَلَّذِي يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ أَوْ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي
الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ وَيُمَزِّقُ
أَعْرَاضَهُمْ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لا يَرْضَاهُ اللَّهُ طُولَ نَهَارِهِ،
فَهَذَا أَبَدًا يَتَأَمَّلُ فِي فَضَائِلِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّهْلِيلاتِ وَلا
يَلْتَفِتُ إلَى مَا وَرَدَ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُغْتَابِينَ وَالْكَذَّابِينَ
وَالنَّمَّامِينَ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ، وَذَلِكَ مَحْضُ
غُرُورٍ، الموسوعة الفقهية ج31: غرور.
صيام عاشوراء لمن عليه قضاء رمضان :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ
التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى
جَوَازِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ
كَرَاهَةٍ، لِكَوْنِ الْقَضَاءِ لا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. وَذَهَبَ
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لِمَا
يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ : يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ
بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ، كَالْمَنْذُورِ وَالْقَضَاءِ
وَالْكَفَّارَةِ، سَوَاءٌ كَانَ صَوْمُ التَّطَوُّعِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى
الصَّوْمِ الْوَاجِبِ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ، أَوْ كَانَ مُؤَكَّدًا، كَعَاشُورَاءَ
وَتَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى
حُرْمَةِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَعَدَمِ صِحَّةِ
التَّطَوُّعِ حِينَئِذٍ وَلَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْقَضَاءِ، وَلا بُدَّ مِنْ
أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَرْضِ حَتَّى يُقْضِيَهُ، الموسوعة الفقهية ج28: صوم التطوع.
فعلى المسلم أن يبادر إلى القضاء بعد رمضان
ليتمكن من صيام عرفة وعاشوراء دون حرج، ولو صام عرفة وعاشوراء بنية القضاء من
الليل أجزأه ذلك في قضاء الفريضة، وفضل الله عظيم.
بدع عاشوراء :
سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه
الله عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ،
وَالاغْتِسَالِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْمُصَافَحَةِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَإِظْهَارِ
السُّرُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ... فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم حَدِيثٌ صَحِيحٌ؟ أَمْ لا؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لا؟ وَمَا
تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَقِرَاءَةِ الْمَصْرُوعِ،
وَشَقِّ الْجُيُوبِ. هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ أَمْ لا؟
الْجَوَابُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ. لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ
أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لا الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، وَلا
غَيْرِهِمْ. وَلا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لا
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا الصَّحَابَةِ، وَلا التَّابِعِينَ، لا
صَحِيحًا وَلا ضَعِيفًا، لا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ، وَلا فِي السُّنَنِ، وَلا
الْمَسَانِيدِ، وَلا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَلَى عَهْدِ
الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ. وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ
أَحَادِيثَ مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ
يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ
ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ... وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ
مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : "أَنَّهُ مَنْ
وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ
السَّنَةِ". وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم كَذِبٌ.
ثم ذكر رحمه الله ملخصا لما مرّ بأول هذه الأمة
من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال :
فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ :
إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ، تُظْهِرُ
مُوَالاتَهُ، وَمُوَالاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ
مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ
لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ
الْجَاهِلِيَّةِ... فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لأَهْلِ الضَّلالِ
وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا، وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ
مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ
الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلاّ
تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ،
وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى
سَبِّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ... وَشَرُّ هَؤُلاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ
الإِسْلَامِ، لا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلامِ. فَعَارَضَ
هَؤُلاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ
وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِمَّا مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ
بِالْفَاسِدِ، وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ، وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ، وَالْبِدْعَةَ
بِالْبِدْعَةِ، فَوَضَعُوا الآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ كَالاكْتِحَالِ وَالاخْتِضَابِ، وَتَوْسِيعِ النَّفَقَاتِ عَلَى
الْعِيَالِ، وَطَبْخِ الْأَطْعِمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَنَحْوِ
ذَلِكَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ، فَصَارَ هَؤُلاءِ
يَتَّخِذُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَوْسِمًا كَمَوَاسِمِ الأَعْيَادِ
وَالأَفْرَاحِ. وَأُولَئِكَ يَتَّخِذُونَهُ مَأْتَمًا يُقِيمُونَ فِيهِ
الأَحْزَانَ وَالأَتْرَاحَ وَكِلا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ خَارِجَةٌ
عَنْ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ أَسْوَأَ قَصْدًا وَأَعْظَمَ جَهْلا،
وَأَظْهَرَ ظُلْمًا... وَلَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا
خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ
الْأُمُورِ، لا شَعَائِرَ الْحُزْنِ وَالتَّرَحِ، وَلا شَعَائِرَ السُّرُورِ
وَالْفَرَحِ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْأُمُورِ : مِثْلُ
اتِّخَاذِ طَعَامٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ، إمَّا حُبُوبٌ وَإِمَّا غَيْرُ
حُبُوبٍ، أَوْ تَجْدِيدُ لِبَاسٍ وَتَوْسِيعُ نَفَقَةٍ، أَوْ اشْتِرَاءُ حَوَائِجِ
الْعَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ فِعْلُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ. كَصَلَاةٍ
مُخْتَصَّةٍ بِهِ، أَوْ قَصْدُ الذَّبْحِ، أَوْ ادِّخَارُ لُحُومِ الأَضَاحِيّ
لِيَطْبُخَ بِهَا الْحُبُوبَ، أَوْ الاكْتِحَالُ وَالاخْتِضَابُ، أَوْ الاغْتِسَالُ
أَوْ التَّصَافُحُ، أَوْ التَّزَاوُرُ أَوْ زِيَارَةُ الْمَسَاجِدِ
وَالْمَشَاهِدِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ، الَّتِي
لَمْ يَسُنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا خُلَفَاؤُهُ
الرَّاشِدُونَ، وَلا اسْتَحَبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لا
مَالِكٌ وَلا الثَّوْرِيُّ، وَلا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَلا أَبُو حَنِيفَةَ،
وَلا الأَوْزَاعِيُّ، وَلا الشَّافِعِيُّ، وَلا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَلا
إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَلا أَمْثَالُ هَؤُلاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ،
وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، الفتاوى الكبرى لابن تيمية.
وذكر ابن الحاج رحمه الله من بدع عاشوراء تعمد
إخراج الزكاة فيه تأخيرا أو تقديما وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال الحنّاء للنساء،
المدخل ج1 يوم عاشوراء.