اختاه، لا تحزني فما الحزن للأكدار علاج، لا تيأسي فاليأس يعكر
المزاج والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج .
لا تحزني فالبلوى تمحيص والمصيبة بإذن الله اختبار والنازلة امتحان، وعند
الامتحان يعز المرء أو يهان .
ماذا عساه أن يكون سبب حزنك؟
-إن يكن سببه مرض فهو
لك خير وعاقبته الشفاء.
قال صلى الله عليه وسلم : "من يرد الله به خيراً يصب منه
"، وقال الله جل وعلا : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء الآية 80.
- وإن يكن سبب حزنك ذنب اقترفتيه أو خطيئة فتأملي خطاب مولاك
الذي هو أرحم بك من نفسك :
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيع) الزمر الآية 53.
- وإن يكن سبب حزنك ظلم حلّ بك من
زوج أو قريب أو بعيد فقد وعدك الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلان والذل. فقال تعالى ) :وَاللّهُ لا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ) آل عمران الآية 140 وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"
وقال سبحانه وتعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) المجادلة الآية 1.
- وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة فاصبري
وأبشري، قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ) البقرة الآية 155.
- وإن يكن سبب حزنك انعدام أو قلة الولد
فلست أول من يعدم الولد ولست مسؤولة عن خلقه. قال تعالى : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ
لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن
يَشَاءُ عَقِيماً) الشورى الآيتين 49 و50.
فهل أنت من شاء العقم؟
أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك. وهل لك لأن تعترضي على حكم الله ومشيئته؟
أو هل لزوجك أو سواه
أن يلومك على ذلك؟ إنه إن فعل كان معترضاً على الله لا
عليك ومغالباً لحكم الله ومعقباً عليه.
فعلام الحزن إذن والأمر كله لله !
لا تحزني مهما بلغ بك البلاء وتذكري أن ما يجري لك، أقدار وقضاء يسري وأن
الليل وإن طال فلا بد من الفجر.
وإليك أختي المسلمة كلمات نيرة من مشكاة
النبوة تدفعين بها الهموم لتنير لك الطريق وتكشف عنك بإذن الله الأحزان :
أجعلي شعارك في الحياة : ما مضى فات والمؤمل
غيبُ ولك الساعة التي أنت فيها، وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه في
الحديث النبوي "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر
المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" رواه البخاري
إنسي الماضي مهما كان أمره، انسيه بأحزانه وأتراحه
فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد على يومك ويزيدك هموماً على همومك.
تصوري دائما أنك وسط بين زمنين:
الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره وفواته
يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده
منحصر في ذهنك فقط وما دام ليس له وجود فهو لا يستحق أن
يكون في قاموس الهموم لأنه انتهى وانقضى وتولى ومضى.
والثاني: مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات
العقل وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدرك كنهه أحد (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل الآية 65،وقله تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) لقمان
الآية 34.
إذاً فالماضي عدم والمستقبل غيب، فلا تحطمي فؤادك بأحزان
ولّت ولا تتشاءمي بأفكار ما أحلت وعيشي حياتك لحظة
بلحظة وساعة بساعة ويوماً بيوم تجاهلي الماضي وارمِ ما وقع فيه في سراب
النسيان وامسحي من صفات ذكرياتك الهموم
والأحزان ثم تجاهلي ما يخبئه الغد وتفائلي فيه بالأفراح ولا تعبري جسراً حتى
تقفي عليه.
تأملي كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال صلى الله عليه
وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الهم
والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وقهر الدين وغلبة الرجال"رواه البخاري ومسلم.
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا
استدراكها والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.
أختي المسلمة يومك يومك تسعدي أشغلي فيه نفسك بالأعمال النافعة واجتهدي في لحظاته
بالصلاح والإصلاح استثمري فيه لحظاتك في الصلاة، في ذكر
الله، في قراءة القرآن، في طلب العلم، في التشاغل بالخير، في معروف
تجدينه يوم العرض على الله،
قال تعالى :
(يَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً
وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً
بَعِيداً) آل عمران الآية 30.
لا تحزني، اجعلي شعارك عند وقوع البلاء : 'إنا لله
وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها'.
اهتفي بهذه الكلمات عند أول صدمة تنقلب في حقك
البلية مزية، والمحنة منحة والهلكة عطاء وبركة.
تأملي في أدب البلاء في هذه الآية :
قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَال ِوَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ
وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة الآيات 155 و156 و157. استرجعي عند الجوع والفقر وعند الحاجة والفاقة وعند المرض والمصيبة
وأبشري بالرحمة من الله وحده.
لا تحزني فالبلاء جزء لا يتجزء
من الحياة لا يخلو منه غني ولا فقير، ولا ملك ولا مملوك ولا نبي مرسل ولا عظيم
مبجل فالناس مشتركون في وقوعه ومختلفون في كيفياته ودرجاته، قال
تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) البلد الآية 4.
إن الحياة خلقت مجالاً للبلاء : قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الملك الآية 2. قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ
مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ) محمد الآية 31. إذن فسر البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر والصابر فيثاب !
لا تحزني واستشعري في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله تثبتي وتأملي وتمالكي
وهدئي الأعصاب وكأن منادياً يقول لك في خفاء هامساً ومذكراً : 'أنت الآن في إمتحان جديد
فاحذري الفشل'.
تأملي قوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين" رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يصب منه" رواه البخاري. فطالب العلم والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما، وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه .فكما أن العلم شرف يريده الله لمن يحب من عباده فكذلك البلاء شرف
يريده الله لمن يحب من عباده يغفر به ذنباً ويفرج به كرباً ويمحي
به عيباً ويحدث بعده أمراً لم يكن في الحسبان.
قال تعالى: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ
اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق.
وفي الحديث: "إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي
فله الرضى ومن سخط فله السخط" رواه البخاري.
المريض سيشفى والغائب سيعود والمحزون
سيفرح والكرب سيرفع والضائقة ستزول وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.
قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح
الآيتين 5 و6.
لا تحزني فإنما كرر الله اليُسْر في الآية ليطمئن قلبك وينشرح صدرك وقال
صلى الله عليه وسلم : "لن يغلب عُسر يُسرين".
أُختي الكريمة إذا اشتدت عليك هموم الأرض فاجعلي همك في
السماء.
ففي الحديث : "من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد،
كفاه الله سائر همومه، ومن
تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا
لم يبال الله في أي أوديتها هلك".
لا تحزني .. فرزقك مقسوم وقدرك محسوم وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم لأنها
كلها إلى زوال.
قال تعالى : (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
مَتَاعُ الْغُرُور) الحديد: الآية 20.
إذا آوى إليك الهم فأوي به إلى
الله والهجي بذكره، واطلبي السكينة في كثرة الاستغفار، استغفري بصدق مرة
ومرتين ومائة ومائتين وألف دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار ونشوة
التوبة والإنابة.
قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
البقرة الآية 222. اطلبي الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح
والتهليل والصلاة على النبي الأمين صلى الله عليه وسلم
وتلاوة القرآن، قال تعالى: (أَلاً بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد الآية 28 وقال تعالى ايضا: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
الإسراء الآية 82.
لا تحزني، وافزعي إلى الله بالدعاء ولا تعجزي، فقد جاء في
الحديث: "أعجز الناس من عجز عن الدعاء".
تضرعي إلى الله في ظلم الليالي وأدبار الصلوات، اختلي بنفسك
في قلب دارك شاكيةً إليه باكيةً لديه سائلةً فَرَجُه ونَصره وفتحه وألحِّي
عليه مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء.
قال عز من قائل : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة الآية 186. لا تحزني ولا تيأسي، قال تعالى : (إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ
اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف الآية 87.
ستنجلي الظلمة وتول الغمة وتعود البسمة
فافرشي لها فراش الصبر وهاتفيها بالدعاء والذكر وظني بالله خيراً يكن
عند حسن ظنك.