القى الاستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا يوم 26 صفر 1441 الموافق ل 25 اكتوبر 2019 بعنوان : "موت رسول الله"، وهذا نصها :
الحمد
لله الحي الباقي بلا فناء، المتعال في جلال كماله بالوحدانية والقدم، المنزل في
القرآن الكريم على سيد العرب والعجم قوله المليء بالحكم : (إنا نحن نرث الأرض ومن
عليها وإلينا يرجعون) أحمده تعالى واشكره على جليل المنن والعطايا.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له يوفي الصابرين أجرهم
بغير حساب وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله أكمل المرسلين قدرا، أدى
الأمانة وبلغ الرسالة من خاطبه ربه بقوله : (انك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم
القيامة عند ربكم تختصمون) اللهم صل على هذا النبي الكريم وعلى آله وصحبه ما ذكره
الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وسلم تسليما.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون: إن الله سبحانه وتعالى حكم
على جميع المخلوقات بالفناء فلا مفر لأي كان من تجرع مرارة كأس المنية...
ولا طمع
لأحد في الخلود مهما علت درجته أو كثرت خصاله ومزاياه يقول الباري جل وعلا : (كل
نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) ويقول سبحانه وتعالى : ( كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقد فضل الله سيدنا محمدا الحبيب المختار على جميع
الأنام، وخصه بالمزايا السنية على سائر الرسل الكرام ومع ذلك فقد نعاه الحنان
المنان بقوله سبحانه : (انك ميت وإنهم ميتون) لقد شاء الله ان يصاب رسوله صلى الله
عليه وسلم بحمى لليلتين بقيتا من شهر صفر ومات عليه الصلاة والسلام وانتقل إلى
الدار الآخرة في مثل هذا الشهر وشرب أعذب كؤوس المنون مع مقاساته شدة الضرر لحكم
جليلة وما يعقلها إلا العالمون وقد خير صلى الله عليه وسلم بين الحياة والموت
فتمسك بالعروة الوثقى واختار الرفيق الأعلى ولدار الآخرة خير وأبقى، فاشتد الكرب
على الصحابة لما نعي لهم رسول الله صلى الله عليه من سيدتنا عائشة رضي الله عنها إذ
خرجت عليهم وهم في المسجد وهي تقول مات رسول الله
فانهرت الدموع وكثرت الحسرات والزفرات من عظيم المصاب بفراق أعز
الأحباب بفراق النبي المختار فانا لله
وانا إليه راجعون.
أيها المومنون: تيقظوا رحمكم الله واعلموا ان متاع الدنيا قليل
وأنكم لابد إلى الله سائرون وبين يديه
واقفون وستحاكمون وتحاسبون على النقير والقطمير وما اقترفتم من صغير وكبير وستجدون
ما قدمتم في رق منشور لا يترك من أعمالنا شيئا إلا أحصاه، يقول ربنا سبحانه : (ووضع
الكتاب فترى المحرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر
صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما
عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا). وتذكروا إخواني انكم ستردون إلى عالم الغيب
والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون وتمسكوا بكتاب الله وسنة رسول الله وأطيعوا
الرسول ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وقدموا لأنفسكم من الخيرات
والمبرات وإقام الصلوات والإكثار من النوافل
المبشرات وادخروا ما تجدونه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستعدوا ليوم الحساب ذلك اليوم الذي
تعرضون فيه لتروا أعمالكم مكتوبة في
صحائفكم واسألوا الله العافية في ذلك فهو نعم المولى ونعم النصير والمجير.
روى الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت
: ' إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي ورأسه بين سحري ونحري،
وان الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، فدخل عبد الرحمان وبيده السواك وأنا مسندة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه وعرفت انه يحب السواك، فقلت آخذه
لك، فأشار إلي ان نعم فلينته له بإذنه وبين يده ركوة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجه، ويقول لا اله إلا
الله إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول "إلى الرفيق إلا على حتى قبض ومالت
يده"'.
يا حبيبنا يا رسول الله نشهد انك ما فارقت هذه الدنيا حتى أديت
الأمانة وبلغت الرسالة حيث أتم الله لك الدين ولامتك، ففارقت الدنيا وأنت قرير
العين بأصحابك وأتباعك وحملة رسالتك. فهل
يا ترى كنا لهم خلفا صالحا متمسكا بالكتاب والسنة، أم أننا فرطنا وأضعنا ميراثك
بيننا وقصرنا في جنبك يا رسول الله. ولكننا نطمع في أن يدخلنا ربنا في شفاعتك يوم
لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
آمين وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين