إن المال الذي بين أيدينا هو في الحقيقة مال
الله عز وجل، استخلف فيه عباده لينظر كيف يعملون، وسيسألهم عنه إذا قدموا
عليه، من أين اكتسبوه؟ وفيمَ أنفقوه؟ فمن جمعه من حله، وصرفه في طاعة
الله ومرضاته مبتغيا في ذلك وجهه سبحانه، فقد فاز وأفلح، ومن جمعه من حرام، أو
صرفه فيما يسخط الله، فقد باء بالخسران، واستحق العقاب، إلا أن يتغمده الله برحمته.
من أجل ذلك جاءت النصوص الكثيرة التي تبين
فضائل الصدقة والإنفاق في سبيل الله، وتحث المسلم على البذل والعطاء ابتغاء الأجر
من الله عز وجل.
فقد جعل الله الإنفاق على السائل والمحروم من
أخص صفات عباد الله المحسنين، فقال عنهم : (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين،
كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق للسائل
والمحروم) الذاريات الآيات 16-19، ووعد سبحانه -وهو الجواد الكريم الذي
لا يخلف الميعاد– بالإخلاف على من أنفق فقال سبحانه : (وما أنفقتم من
شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) سبأ الآية 39، وضاعف
العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافاً كثيرة في الدنيا والآخرة فقال
سبحانه : (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً
كثيرة) البقرة الآية 245.
والصدقة من أبواب الخير العظيمة، ومن أنواع
الجهاد المتعددة، بل إن الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس في جميع الآيات التي
ورد فيها ذكر الجهاد إلا في موضع واحد، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "جاهدوا
المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" رواه أبو داود.
وفي السنة من الأحاديث المرغبة في الصدقة،
والمبينة لثوابها وأجرها، ما تقر به أعين المؤمنين، وتهنأ به نفوس المتصدقين، ومن
ذلك أنها من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "وإن أحب الأعمال إلى
الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه
جوعاً " رواه البيهقي وحسنه الألباني.
والصدقة ترفع صاحبها حتى توصله أعلى المنازل،
قال صلى الله عليه وسلم : "إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله
مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل
المنازل…" رواه الترمذي.
وهي تدفع عن صاحبها المصائب والبلايا، وتنجيه
من الكروب والشدائد، قال صلى الله عليه وسلم : "صنائع المعروف تقي مصارع
السوء والآفات و المهلكات، و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة"
رواه الحاكم وصححه الألباني.
وجاء في السنة عظم أجر الصدقة، ومضاعفة ثوابها،
قال صلى الله عليه وسلم : "ما تصدق أحد بصدقة من طيب -ولا يقبل الله إلا
الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كان ثمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم
من الجبل، كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله" رواه مسلم.
والصدقة تطفئ الخطايا، وتكفر الذنوب والسيئات،
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ : "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ
الماء النار" رواه الترمذي.
وهي من أعظم أسباب بركة المال، وزيادة الرزق،
وإخلاف الله على صاحبها بما هو أحسن، قال جل وعلا في الحديث القدسي : "يا
ابن آدم أَنفقْ أُنفقْ عليك" رواه مسلم.
كما أنها وقاية من عذاب الله، قال صلى الله
عليه وسلم : "اتقوا النار ولو بشق ثمرة" رواه البخاري.
وهي دليل على صدق الإيمان، وقوة اليقين، وحسن الظن برب العالمين، إلى غير ذلك من الفضائل الكثيرة، التي تجعل المؤمن يتطلع إلى الأجر والثواب من الله، ويستعلي على وعد الشيطان الذي يخوفه الفقر، ويزين له الشح والبخل، وصدق الله إذ يقول : (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) البقرة الآية 268.