تجدون اسفله نص الخطبة التي ألقاها
الأستاذ فتح الله بلحسن بمسجد الشهباء يوم الجمعة 3 صفر 1435 الموافق ل 6
دجنبر 2013 :
الحمد لله، الحمد لله الذي قدر فهدى، الحمد لله رب الأرض
والسموات العلى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، اله الخلائق كلها
يدبر أمورها بحكمته وهو الحكيم العليم واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله دعا
أمته إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فكان بهذه الأمة رؤوفا رحيما صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جعلوا الرسول قدوتهم وأسوتهم ففازوا بالنعيم
المقيم رضي الله عنهم أجمعين.
أما بعد، فيا امة القرءان، ويا أتباع سيدنا محمد خير
الأنام اعلموا وفقكم الله ان خير ما تعتد به الأمة شبابها الذي تعمل على تنشئته
نشأة تشابه طبيعة العيش الذي تريده والتقدم الذي تنشده وتعمل كذلك على طبعه بنوع
خاص من المذهبية التي تومن بها، والديانة التي تعتنقها ونحن كدولة مسلمة حري بنا
ان ننشئ شباب الإسلام عن عبادة الله وندفعهم إلى الابتعاد عن كل النزوات التي تشغل
بالهم من مباهج هذه الدنيا ومفاتنها وهذا يدفعنا إلى ان نأخذهم بتعاليم الإسلام
ونزودهم بالوسائل الناجعة التي تساعدهم على خوض غمار الحياة متدرعين بالدين
معتصمين بحبل الله رب العالمين (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم).
ولقد حرص مولانا رسول الله على هداية الأمة والعناية
بشبابها في التقويم والتوجيه وقد اتخذ صلى عليه وسلم شتى الأسباب واغتنم المناسبات
فقد وجه صلى الله عليه وسلم إلى شباب المسلمين وصية في شخص ابن عمه عبد الله ابن
عباس رضي الله عنهما هذه الوصية التي تعتبر جديرة بأن يحفظها شبابنا في
قلوبهم وان يعملوا على تلقينها لكل الشباب من مختلف المستويات حتى يحفظها الأبناء
ويحييها الإخوة والآباء يقول الرسول الكريم لابن عباس :
"يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، قلت
بلى يا رسول الله، قال احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك،
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت
فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء
كتبه الله لك وان اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله
عليك" .
إن هذه الوصايا الكريمة لو أخذنا بها وسرنا على هديها
لأخذ الله بيدنا ولأصلح لنا دنيانا وآخرتنا، إذ أن حفظ المرء لربه
يتجلى في الاستجابة لأمره واجتناب نهيه والاستباق إلى كل ميادين الخيرات
والمبرات، وهذا يستحق حفظ الله له، الذي يتجلى في حفظ الله لمصالح عبده في
دينه ودنياه فيحفظ له صحته وعقله وماله وأهله وولده ويشمله بلطفه في قضائه وقدره
وفي ذلك سعادة الدنيا ونعيمها كما يحفظ عليه دينه من الشبهات والفتن المضلة حتى
يتوفاه الله على الإسلام ويدخله الجنة دار السلام مصداق ذلك في قول الله تعالى : (من
عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة).
ومن حفظ الله وراعى حقوقه وجد الله معه يحوطه بعنايته
وتأييده وتوفيقه، فيصبح في حياته موفقا مسددا، يقول الله تعالى : (إن الله مع
الذين اتقوا والذين هم محسنون) وفي حديث قدسي : "ولا يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده
التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي
لأعيدنه"، ان العبد في هذه الحالة يكون في حماية الله وحفظه بعيدا عن الشر
والذلة قريبا من الخير.
كما أوصى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم على
الاستقامة في الطاعة مهما كانت الظروف، وتوثيق الصلة بالله رب العالمين في حالة
الصفاء والرخاء لان ذلك مجلبة إلى عون الله في الشدائد ومنقدا من كل الكروب كما
انقد سبحانه ذا النون لأنه كان وثيق الصلة به وكان من المسبحين وقال سبحانه في حقه
: (فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون) وقال أيضا : (فنجيناه
من الغم وكذلك ننجي المومنين). ثم اختتمت التوجيهات المحمدية في هذه
الوصية بما يربط القلوب ويقوي ثقتها بربها ويقطع حبل التعلق بالمخلوق والخوف منه
والحذر من مضرته وعقابه فمصير الأمور إلى الله وهي جارية على ما قضاه سبحانه في
الأزل، جاء في الحديث الشريف : "ان روح القدس نفت في روعي انه لن
تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، فاتقوا الله
إخواني واتخذوا هذه الوصية خير نهج تنهجونه وخاصة الشباب الذين وجهت لهم هذه
الوصية في شخص شاب هو عبد الله ابن عباس رضي الله عنه حتى تعود لهم العزة ويحضوا
برضا الله العظيم بقول الله تعالى : (انه من يأت ربه مجرما فان له جهنم لا يموت
فيه ولا يحيى ومن يأتيه مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات
العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله وغفر لي
ولكم وسائر المسلمين انه غفور رحيم.
آمين
والحمد لله رب العالمين