random
مقالات عشوائية :

خطبة الجمعة : الصبر مفتاح الفرج


خطبة   الجمعة  : الصبر مفتاح الفرج


         
ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء وذلك يوم الجمعة 25 جمادى الثانية 1435 الموافق ل 25 ابريل 2014 بعنوان 'الصبر مفتاح الفرج'، وهذا نصها :

      الحمد لله رب العالمين مدبر الأمر بحكمته ورازق الخلق من خزائن فضله ورحمته علهم يشكرون نعمته وآلاءه فيتعرضون لزيادة خيره ونواله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الرخاء والشدة من الاختبارات التي يمتحن بها عباده ليعلم الذين صدقوا ويعلم الصابرين وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه خير من صبر وغفر إلى أن أدى واجبه ورسالته أحسن ما يكون الأداء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين علمهم رسول الله أن الصبر مفتاح الفرج رضي الله عنهم أجمعين.

      أما بعد، فيا أمة الإسلام ويا أتباع  سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إن في ميسرة الحياة اليومية متاعبَ وأهوالا كثيرة تعترض الإنسان كيفما كانت حيثيته لا فرق في ذلك بين غني وفقير ولا مندوحة لأحدهما عن التدرع بالصبر الذي هو الملاذ الآمن والحصن المنيع الذي يخفف من الآلام والمتاعب وبه تسكن نفس المرء وتطمئن إذ يقيه الصبر الوقوع في المزالق والمعاطب وحينئذ  يقضي المرء حياته في راحة بال وفي الآخرة يجزى الجزاء الأوفى ويحظى من الله بالرحمة والغفران (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وإن الصبر أيها المؤمنون دعامة كل فضيلة، وهو الدرع الواقي  من شر كل رذيلة وخطرها.

وما عرف التاريخ عظيما إلا وكان الصبر زاده الأقوى لبلوغ آماله، ولقد كان الصبر خلق سائر الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم سيد النبيئين محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كان من الحق على سائر المسلمين ان يكون لهم على الدوام أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ابتلي الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم طفلا وصبيا وشابا وكهلا، فما نالت منه المتاعب والآلام ولا أوهنت عزيمته. ذلكم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آوى إلى ركن شديد في الصبر والإيمان واطمأن كل الاطمئنان إلى قوله تعالى : (واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم  ولاتك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).

يا أيها الإخوة المومنون : اعلموا أن في تقدير الله للضراء والمكاره حِكما لا يخفى وألطافا وتخفيفات لا تحد ولا تُستقصى، والمومن حين يصاب بمكروه يغنم على ربه فيكون من الرابحين، فماذا يغنم؟ يغنم القيام بوظيفة الصبر، فيتم له أجر الصابرين فيرجو الأجر والتواب فيحضى بثواب المحسنين، وينتظر الفرج من الله فيحوز أجر الراجين لفضله الطامعين فيما عنده، وإن أفضل العبادة انتظار الفرج العاجل، ورجاء الثواب الآجل والله تعالى يبتلي عباده، فإذا ابتلى لطف وأعان، وإذا ضاقت الأمور من جانب تسهلت من نواح أخرى، فيها الرأفة والامتنان، يعطى العبد فيها من خزائن الرحمان، (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو)، ولا ينال ذلك إلا بفضيلة الصبر.  

      ولنسمع إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو يقول : 'إن الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه : صبر على الطاعة فله ثلاثمائة درجة  وصبر على المعصية فله ستمائة درجة وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة'.

لقد اعتصم سلفنا الصالح من المسلمين الأوليين بظلال الصبر الوارفة فنالوا الحسنيين، جنةَ الدنيا يحفها الرضا والقناعة في فقرائهم، والشكر والإحسان في أغنائهم، وجنةَ الآخرة يحفها فضل الله ورحمته وغفرانه. وفي سيرة الصحابة قصص كثير يدل على صبرهم ورضاهم بكل ما يلاقونه في سبيل الحفاظ على دينهم فهذا بلال بن رباح وما لحقه من تعذيب شديد. وكيف صبر على هذه المتاعب ولاذ بالصبر الجميل ولجأ إلى ربه في محنته العصيبة حتى كانت هذه المتاعب والمصاعب بردا وسلاما على نفسه النبيلة الخيرة.

      ونرى كذلك أنه لما تتابعت الكوارث على المسلمين في مبدأ ظهور الإسلام جاء خباب بن الأرث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله، ألا تدعو لنا؟ ألا تنتصر لنا؟ فقال له الرسول : "قد كان من قبلكم يوتى بالرجل فتوضع له حفرة فيوضع فيها ثم يوتى بالمنشار فوق رأسه فيجعله نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصرفه ذلك عن دينه. والذي نفس محمد بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".

      إن الصبر عدة كل مؤمن مهما كانت حيثيته ومهما كان شغله وعمله، تاجرا أو صانعا أو فلاحا أو أستاذا أو موظفا أو غير ذلك من الذين يعيشون في صحراء الحياة المترامية.

      أيها المؤمنون إن الصبر لا يكمن في نفس المؤمن إلا إذا سعد بقضاء الله واطمأن إليه ونزلت عليه كوارث الدهر وأحداثه فلم يجزع ولم ييأس وبذلك يكون الصبر خيرا في الدنيا والآخرة وصدق الله العظيم اذ يقول : (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

    جعلني الله وإياكم ممن إذا أعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا وألهمني وإياكم كل عمل صالح يقربنا إلى الله وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم آمين والحمد لله رب العلمين.  



         
google-playkhamsatmostaqltradent