توجد صفات مذمومة في نفس الانسان،
ولعلاجها لابد من دواء الإيمان الذي سيقوم بتصفية أنفسنا من آفاتها، وللوصول
إلى هذه الغاية لابد أن نرقى بأنفسنا إلى نفوس مطمئنة. ولفهم
أنفسنا لابد من قواعد ومعرفة كيفية التعامل مع انفسها :
قواعد لفهم طبيعة النفس :
1- النفس مائلة الى الشر
النفس لا تأمر بخيرٍ قط حتى لو
وصلت إلى مرحلة النفس المطمئنة، فإذا وجدت نفسك تنقاد لك في فعل بعض الطاعات،
فاعلم أن ذلك ليس برغبتها .. وإنما خوفك من الله من الآخرة كان باعثًا على قهر
النفس والرغبة في الابتعاد عن الانحراف الذي تأمر به، فسجنت نفسك حتى صارت بين
يديك كالأسير المقهور على فعل جميع ما تأمره به حتى إذا فتحت لها الباب ظنًا
منك أنها قد ثبتت على الطاعات، تحررت من قيودها وعادت إلى ما كانت عليه من
الأمر بالسوء، فإذا قهرت نفسك تستطيع أن تقودها، أما إذا أطلقت سراحها أمرتك
بالسوء.
2- النفس تميل الى الشهوات
النفس نزَّاعة إلى الشهوات دومًا، مهما
ارتقى المسلم في درجات الإيمان، فالنفس هي مجموعة
الشهوات التي تهفو إليها نفسك؛ من حب الجاه والتملك والتميز والنساء
والمال وكل ما تهواه النفس وتتمناه، وقد يتحايـل المرء ويصبغ شهوات نفسه
بصبغة الشرع كالذي يُحب الشهرة ثمَّ نعم الله عليه بنعمة الالتزام، فتظل تلك
الشهوة بداخله وتجده يبحث عن الشهرة والتميز تحت مُسمى الدعوة وخدمة الإسلام،
والأصل أن عمله ليس لله، وإنما لأجل شهوة مُتمَلِكة من القلب.
3- الرضا عن النفس مهالك
الرضا عن النفس بداية ورود
المهالك، لأن النفس ستظل دومًا هي النفس التي لا تأمر بخيرٍ قط؛ لذا من أقبح
ما يكون أن ترضى عن نفسك كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن العُجب من
المُهلكات، قال : "ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء
بنفسه .." وقال الله تعالى : (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنِ اتَّقَى) النجم الآية 32. فستظل دائمًا أبدًا في جهادٍ مع نفسك حتى الموت، قال
أحد الصالحين : ‘يموت المؤمن وسيفه يقطر دمًا’.
كيفية التعامل مع أنفسنا
كي نتمكن من التعامل مع أنفسنا لابد من معرفة طبيعتها، وقد وصف الله سبحانه وتعالى ثلاثة انواع للنفس الإنسانية :1- النفس الأمارة بالسوء :
يقول الله عز وجل : (إِنَّ النَّفْسَ
لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رحِمَ رَبِّي ) يوسف الآية 53
وهي النفس التي تحث وتحض على فعل
السوء، وتزينه في عين صاحبها حتى يظن أن فيه سعادته الحقيقية وما يعلم أن فيه
شقاؤه.
العلاقة بين النفس الأمارة بالسوء والعقل :
إن النفس الأمارة بالسوء تتأثر بالعقل، والعقل يتأثر بالمدركات
الحسيَّة؛ كالنظر والسمع واللمس والشم... وهذه المدركات تتجمع في العقل وتكوِّن
الرغبة التي تصل إلى النفس الأمارة بالسوء فتبدأ بدفعك للوقوع في المنكرات،
كما قال الرسول : "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ
الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ،
وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ،
وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى، وَالْقَلْبُ
يَهْوَى وَيَتَمَنَّى .." صحيح مسلم
فالقلب لم يقع في المعصية إلا بعد إثارة المقدمات الحسية كالذي يشاهد الأفلام وتظل
تراوده الخواطر والأفكار السيئة حتى بعد أن يلتزم ويبتعد عنها؛ لأنه قد درَّب نفسه
على السوء فتولدت منها نفسٌ خبيثة، أما الأشياء التي لم تعاينها حسيًا فلن تُحَدثك
نفسك بها؛ كالسرقة مثلاً. والفرق بين تسويل النفس ووسوسة الشيطان، ان النفس تظل
تسول لك نفس جنس المعصية، أما الشيطان فهو لص الإيمان يحاول أن يوقعك في أي معصية
أيًا كانت حتى يشغلك عن طاعة الله.
2- النفس اللوامــة :
وهي التي كلما وقع العبد في محظور لامته
عليه حتى يُسارع بالتوبة والاستغفار، قال تعالى : (وَلَا أُقْسِمُ
بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة الآية 2، ولا يُقسِم الباري بشيء
إلا لعلو قدره ورفيع منزلته عند الله تعالى.
علاقة النفس اللوامة بالعقل والعلاقة
بينهما أقوى من العلاقة بين العقل والنفس الأمارة بالسوء، فتأثر العقل
بالمدركات الحسية يكون أقل من تأثره في حالة النفس الأمارة بالسوء؛
لأنه إلى جانب المعاصي التي رأتها عيناه وأدركتها بقية حواسه فإنه قد قام
ببعض الاعمال الصالحة من تلاوة قرآن واستماع للمواعظ، فصار لدى عقل
جانبان؛ جانب يدعوه إلى الخير وتقوى الله، وآخر يدعوه إلى الشر بالوقوع في
المعصية. وتظل النفس اللوامة تلومه على أفعاله السيئة، فإن استجاب
لتأنيب ضميره وأصْلَح من نفسه، كانت نفسه أقرب إلى النفس المطمئنة منها إلى النفس
الخبيثة، أما إن تركها لتغرق، عادت النفس من مرحلة النفس اللوامة
إلى مرحلة النفس الأمارة بالسوء.
3- النفس المطمئنة :
قال تعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي). أواخر سورة الفجر. هي نفسٌ قد لجأت إلى الله تعالى واطمأنت إليه ورضيت عنه، فأثابها الكريم سبحانه بأبلغ ثواب وأجزل عطاء بما تُغْبَط عليه في الدنيا والآخرة. وهذه هي مرحلة الصدق مع النفس التي يهفو إليها جميع البشر وليس المسلمون منهم فحسب، ولا ينال النفس المطمئنة إلا المؤمن الموحد ولا يحصل عليها كــافرٌ أو مجرمٌ بعيد عن الله سبحانه وتعالى.لأن دين الاسلام هو الدين الوحيد
الذي يمازج بين متطلبات العقل والروح، أما البعيدون عن طريق الله سبحانه وتعالى
فإنهم يقومون بإلهاء أنفسهم بشتى الطرق؛ حتى لا تصطدم نفسه بعقله الراكد في شهوات
الحس ويحدث بينهما صراع.
1-3) كيفية الوصول
إلى النفس المطمئنة :
إن الانسان إذا وصل إلى مرحلة النفس المطمئنة لن يكون بمعزلٍ عن الخطايــا؛
لأن كل بني آدم يعتريهم النقص والخطأ، إنما إذا سعيت للتحلي بصفــات
أصحاب النفس المطمئنة، ستنال الاطمئنان النفسي في الدنيا والراحة
الأبدية في الآخرة.
2-3) صفات أصحاب النفس المطمئنة :
أ) الإخــلاص :
وللإخلاص علامات ابحث عنها في نفسك لتعلم هل أنت مخلصٌ أم لا، وهي :
- أن يكون في عناية الله تعالى ومعيته، أي انه ليس كثير التعثُر وأحواله ليست
مضطربة أو متباينة، كما قال ابن الجوزي : ‘ إنما يتعثر من لم يخلص’.
- بذل المجهود في الطاعة
- أن يكون حريصًا على إسرار الاعمال إلا على ما ينبغي إظهاره، مثل : الصلاة
والدعوة والجهاد.
- الحرص الشديد على إصلاح العمل وإتقانه وإحسانه، لأنه يعيش لله لا لنفسه،
فكل ما يفعله يبذله لوجه الله.
- وجل القلب وخوفه من عدم القبــول
واعلم أنه لن يُنجيــك إلا الصدق والإخلاص.
ب) المتابعة لهدي النبي :
فصاحب النفس المطمئنة يتبع النبي حتى تطغى محبته للنبي
على حب المال والولد وحتى النفس، عن أنس قال : قال رسول الله :
"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ
وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" متفق عليه
وعلامة الإتباع : شدة الحرص على معرفة سُنَّتِهِ وأحواله وسيرته، والإقتداء به.
ج) الرضــا عن الله تعالى :
فعندما يذوق طعم الإيمان يمر عليه البلاء وهو مطمئنٌ ساكنٌ هادئ، عن العباس بن عبد
المطلب قال : قال رسول الله : "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ
بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا"، رواه
مسلم.