ألقى الأستاذ فتح الله بلحسن خطبة بمسجد الشهباء بمدينة سلا وذلك يوم الجمعة 15 ذي
الحجة 1435 الموافق ل 10 اكتوبر 2014 بعنوان 'استغلال
الوقت فيما يرضي الله'،
وهذا نصها :
الحمد لله جعل قيمة الزمان في حياة الإنسان مهمة ومضبوطة بقدر حفاظ
المرء عليها وصرفها فيما يفيد وينفع قبل أن يفوته فضل كبير يندم عليه يوم لا ينفعه
الندم ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل في عمر المرء فترات قوة وضعف
ليعمل في فترة قوته لضعفه حتى لا يموت بحسرة التفريط.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه حثنا في الحديث
الشريف على اغتنام خمس قبل خمس حيث قال في الحديث الشريف : "اغتنم خمسا قبل
خمس، حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل
فقرك"، صدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الإنسان في هذه الحياة
المليئة بالمشاغل والمتاعب لا بد له من ضابط يوقفه لحظة ليتأمل فيما يخوض فيه من
أعمال دنيوية وهل تبقي له من وقت يصرفه فيما يرضي الله ويعود عليه بالنفع العميم
يوم الفزع الأكبر الذي يحاسب فيه المرء على كل صغيرة وكبيرة عن عمره فيما أفناه، وعن
ماله من أين أكتسبه وأين أنفقه وعن علمه وما عمل فيه، وهذا يفرض عن الإنسان ألا
يتجاهل قيمة الوقت في حياته، إذ يأتي عليه يوم يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة
العمل فيه ولكن بعد فوات الآوان وفي هذا يذكر القرآن الكريم موقفين للإنسان يندم
فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم :
-الموقف الأول : ساعة الاحتضار حيث يستدبر الإنسان
الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو أعطي مهلة من الزمن وأخر إلى أجل قريب ليصلح ما
أفسد ويتدارك ما فات وفي هذا يقول ربنا تبارك وتعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا
تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا
مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لو لا أخرتني إلى أجل قريب
فأصدق واكن من الصالحين).
-الموقف الثاني : في الآخرة يوم توفى كل نفس ما عملت
وتجزى بما كسبت ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. هنالك يتمنى أهل النار لو
يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف ليبدؤوا من جديد ويعملوا عملا صالحا.
وهيهات هيهات لما يطلبون فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء. يقول تعالى : (والذين
كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل
كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا في الذين كنا نعمل أو لم
نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير).
لقد انقضى الأمر وانتهى بعد هذا جواب من لله العظيم وتقريع الكافرين.
وبعد تدبر ما جاء في القرآن عن قيمة الوقت وخطر إضاعته. فإن علينا عباد الله
أن نحافظ على أوقاتنا كما نحافظ على ما نملك من مال وغيره، أن نحرص على صرف
أوقاتنا كلها فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا وما يعود علينا وعلى أمتنا بالخير
العميم، ولكي يحافظ الإنسان على وقته لا بد له من أن يبرمج كل أيامه بدقة متناهية
ويحدد الأولويات. عمله الذي يكسب منه قوت يومه، واهتمامه بأسرته وأهله، والقيام
بواجباتهم، وأوقات صلاته وذكره ودعائه، وحضوره مجالس العلم ليزداد تفقها في دينه،
والمحافظة على بدنه وتحديد وقت راحته.
وإذا دقق الإنسان في هذه البرمجة حسب استطاعته فإنه يعيش في راحة من أمره لا
يضيع وقتا يندم عليه وخصوصا إذا ضيعه فيما لا يرضي الله تعالى ولنتذكر أن اليوم
الحاضر فيه عمل وجزاء وأن الغد ليس فيه عمل وفيه الجزاء كل على حسب ما
ادخر لنفسه في دنياه مصداقا لقول الله تعالى : (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه
عند الله هو خيرا وأعظم أجرا).
واعلموا إخواني أن من نظم أعماله تمكن من
تأديتها في الوقت المحدد لأن تحديد الوقت والمحافظة عليه يجعلك توازن بين أعمال
الدنيا وأعمال الآخرة فترضى عن عملك وعن نفسك ويرضى الله عنك.
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأجارني وإياكم من
المغريات والملهيات التي تنسي الإنسان ضبط وقته. وغفر لي ولكم ولسائر المومنين إنه
هو الغفور الرحيم أمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.