تناولنا في ما سبق من سلسلة شمائل المصطفى صلى الله عليه
وسلم تواضعه، تراحمه، صبره، حياؤه، زهده، عدله، حلمه، شجاعته، مزاحه ومداعبته،
أكله وشرابه، لباسه، سفره وتحاله، في خطبته، نومه وانتباهه، كيفية ضحكه، طاعته
وشدة عبادته، صفة كلامه وسكوته، فضائله، مقام عبوديته، نكاحه، شفقته ورحمته
ورأفته، خصائصه الجسدية، الرسول زوجا، خصائصه التكريمية، واليوم بمشيئة الله سننشر
الجزء 25 الخاص بخصائصه الرسالية صلوات الله وسلامه عليه :
25- الخصائص الرسالية للرسول صلى الله عليه وسلم
الخصائص الرسالية هي الأمور التي اختص الله بها رسوله
محمدًا صلى الله عليه وسلم في رسالته، وأفرده بها عن غيره من الأنبياء، ونذكر منها
:
1-25) القرآن الكريم
ويأتي على رأس هذه الخصائص القرآن الكريم؛ فقد كانت
معجزة القرآن الكريم على رأس الخصائص الرسالية التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه
وسلم، قال تعالى : (وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا
الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا) الشورى الآية 52، وقال صلى الله
عليه وسلم : "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر،
وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ؛ فأرجو أن
أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" رواه البخاري و مسلم.
وإذا كان القرآن الكريم في مقدمة الخصائص الرسالية التي
أكرم الله بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حفظ الله سبحانه لهذا الكتاب من
التبديل والتحريف خصوصية أخرى لهذا النبي الكريم، فقد أخبر سبحانه بأنه تولى وتعهد
بنفسه حفظ القرآن، قال تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر الآية 9. في حين أن الكتب
السماوية الأخرى، لم يتعهد سبحانه بنفسه أمر حفظها، بل ترك ذلك إلى أهلها، قال
تعالى : (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين
هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله) المائدة الآية 44، ولما ترك سبحانه
أمر حفظ التوراة والإنجيل للأحبار من اليهود، والربانيين من النصارى، صار حالها
إلى ما صارت إليه، من التغيير والتبديل والتحريف.
ويتبع خصوصية القرآن الكريم، اشتمال هذا الكتاب على ما
اشتملت عليه الكتب السابقة، وتفضيله عليها بالمفصل من السور والآيات؛ فقد اشتمل
القرآن الكريم على السور الطوال، والسور المتوسطة، والسور القصار؛ قال صلى الله
عليه وسلم : "أُعطيت مكان التوراة السبع، وأُعطيت مكان الزبور المئين،
وأُعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلت بالمفصَّل" رواه أحمد؛ فكان علم
الكتب السماوية السابقة علمًا خاصًا مجملاً، وكان علم القرآن علمًا عامًا مفصلاً.
2-25) اعطاؤه خواتيم البقرة
ويلحق بخصوصية القرآن الكريم، إعطاؤه صلى الله عليه وسلم
خواتيم سورة البقرة، ولم تعط لنبي قبله؛ قال عليه الصلاة والسلام : "إني
أوتيتهما من كنـز من بيت تحت العرش، ولم يؤتهما نبي قبلي" رواه أحمد، يعني
الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة.
3-25) ذكره في الكتب السابقة
ومن خصائصه الرسالية عليه الصلاة والسلام ذكره في الكتب
السابقة، والتبشير بقدومه، قال تعالى مخبرًا عن ذلك : (الذين يتبعون الرسول النبي
الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل) الأعراف الآية 157، وقال تعالى : (وإذ
قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من
التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) الصف الآية 6.
وأخرج البخاري عن عطاء بن يسار، قال : لقيت عبد الله بن
عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في التوراة، قال : نعم، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : (يا
أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا) الفتح الآية 8.
4-25) رسالته عامة للناس
ومن خصائص رسالته صلى الله عليه وسلم أنها رسالة عامة
للناس، قال تعالى : (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا
يعلمون) سبأ الآية 28، وقال أيضًا : (وأرسلناك للناس رسولا) النساء الآية 79. في حين كانت
رسالات الأنبياء السابقين خاصة بأقوامهم، كما أخبر عن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" رواه البخاري
و مسلم.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه اختص بكثرة الأتباع،
وكثرة المؤمنين برسالته؛ في حين أن الأنبياء السابقين لم يؤمن بهم إلا القليل من
الأتباع، ولم يصدقهم إلا القليل من الأنصار، بل إن بعض الأنبياء لم يؤمن به إلا
الرجل والرجلان فقط؛ يقول صلى الله عليه وسلم : "لم يصدق نبي من الأنبياء ما
صدقت، وإن من الأنبياء نبيًا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد" رواه مسلم.
5-25) بعثه رحمة للعالمين
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله بعثه رحمة
للعالمين، وهداية للناس أجمعين؛ قال سبحانه : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
الأنبياء الآية 107، وقد ثبت أن بعض الصحابة رضي الله عنهم، طلب من
الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المشركين، فأجابهم قائلاً : " إني لم
أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة" رواه مسلم، وأخبر أيضًا أنه جاء رحمة وهداية
للناس أجمعين، لا كما يصفه بعض الظالمين بالقسوة والإرهاب؛ وكان شعاره الذي رفعه
عبر سنوات جهاده : "إنما أنا رحمة مهداة" رواه الدارمي وغيره.
6-25) انه خاتم النبيين والمرسلين
ومن خصائص رسالته صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين،
وآخر المرسلين، فلا نبي بعده، فبه ختم الله الرسالات السماوية، وبشرعه أتم الله
دينه؛ قال تعالى : (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)
الأحزاب الآية 40، وجاء في الحديث : "وخُتم بي النبيون" رواه
مسلم.
وقد شبه عليه الصلاة والسلام رسالته بين رسالات
الأنبياء، برجل بنى بيتًا على أحسن ما يكون البناء، لكنه ترك منه موضعًا لم يكمله،
فاعتبر رسالته صلى الله عليه وسلم خاتم الرسالات التي سيتم بها إتمام بناء
الرسالات السماوية على الوجه الأكمل والأفضل؛ يقول عليه الصلاة والسلام : "إن
مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من
زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون : هلا وُضعت هذه اللبنة! قال :
فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين" رواه البخاري ومسلم.
هذه جملة من الخصائص الرسالية التي اختص الله بها رسول
الإسلام عليه الصلاة والسلام، وهي ولا شك تبين مكانة هذا الرسول الكريم بين الرسل،
وتبين كذلك منزلة شريعة الإسلام بين الشرائع السماوية، وهي في الوقت نفسه تلقي
مزيدًا من الضوء على قوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة الآية 3.
روابط الاجزاء السابقة : 1-التواضع 2-الرحمة 3-الصبر 4-الحياء 5-الزهد 6-العدل 7-الحلم 8-الشجاعة 9-المزاح والمداعبة 10-اكله وشربه 11-لباسه 12-سفره وترحاله 13-خطبته 14-نومه وانتباهه 15-كيفية ضحكه 16-طاعته وشدة عبادته 17-صفة كلامه وسكوته 18-فضائله 19-مقام عبوديته 20-نكاحه 21-شفقه ورحمته ورأفته 22-خصائصه الجسدية 23-الرسول زوجا 24-خصائصه التكريمية